Home | About LCPS | Contact | Careers

Featured Analysis


لميا المبيّض بساط وبسمة عبد الخالق, على التوالي رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي وخبيرة اقتصادية في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي

معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي هو مؤسسة عامة مستقلة تعمل تحت وصاية وزير المالية اللبنانية


January 2022
التحوّل في الشراء العام: مسار لبنان نحو الفعالية والقيمة الاجتماعية والشفافية

في ٢٩ تموز ٢٠٢١، نُشر قانون الشراء العام في لبنان (القانون 244/2021) في الجريدة الرسمية. فأصبح للبنان بعد أكثر من عامين من الصياغة والمراجعة والمشاورات والمناقشات في مجلس النواب، قانونٌ موحّد للشراء العام. مع هذا الإنجاز، يخطو لبنان الخطوة الأولى ضمن سلسلة من الإصلاحات الهيكلية الضرورية لضمان الحوكمة المالية السليمة وتعزيز التعافي الاقتصادي وتحسين الشفافية والمساءلة. وقد أتى قرار المجلس الدستوري (الصادر في 16 أيلول 2021) بردّ الطعن المقدّم بالقانون ليؤكّد على صحّة هذه الخطوة الإصلاحية المهمّة والمبررات المنطقية للقيام بها.
 
يأتي إقرار قانون الشراء العام في لبنان (القانون 244/2021) في حين يواجه لبنان ما وصفه البنك الدولي بثالث أسوأ أزمة في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.[1]
 
وتؤكد بيانات المجتمع الدولي أن إصلاح منظومة الشراء العام هو من أهمّ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لتعزيز الحوكمة المالية، وتحسين جودة الخدمات العامة وجذب الاستثمارات وتعزيز الشفافية. وقد تمّ تسليط الضوء على إصلاح منظومة الشراء العام ضمن إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، الذي أعدّه البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في سياق الاستجابة على أثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.[2] كما أنّ الحكومة اللبنانية قد التزمت بإصلاح الشراء العام في «المؤتمر الاقتصادي للتنمية من خلال الإصلاحات ومع الشركات» (سيدر)، الذي عُقد في باريس في 2018، فيما كان المجتمع المدني اللبناني يطالب بمكافحة الفساد في الشراء العام واحترام مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة والعدالة والإنصاف والمساواة.
 
وبعد التزام حكومتين متعاقبتين (حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2019، ثمّ حكومة الرئيس حسّان دياب في العام 2020) بإصلاح الشراء العام، جدّدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية[3] هذا الالتزام. وقد تعهّدت الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري «بإصدار النصوص التطبيقيّة للقوانين النافذة ومُتابعة تنفيذ النّصوص ذات الصلة لا سيما تلك المتعلقة بقانون الشراء العام فور نفاذه.»
 
مع أنّ الشراء العام يمثّل ما معدّله 20٪ من الانفاق العام و6.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي (حوالى 3.4 مليار دولار أميركي في العام 2019) على المستوى المركزي،[4] فإنّ منظومة الشراء العام في لبنان غير قادرة عن مواكبة مثيلاتها في البلدان النامية الأخرى مثل تونس ومصر والأردن، وذلك وفقًا للتقارير الدولية. وقد أشار التقرير الخاص بلبنان استنادا إلى منهجية تقييم أنظمة الشراء العام – MAPS II إلى نقاط الضعف في منظومة الشراء العام، بما فيها هدر المال العام وغياب المنافسة، وضعف التقيّد بالمعايير الدولية، وعدم كفاية القدرات المؤسساتية، والاحتيال والفساد، والأكلاف الباهظة على الاقتصاد والمجتمع، بالإضافة إلى عدم المساواة وضياع الفرص.
 
وفقًا للأمم المتحدة تُقدّر كلفة الفساد في لبنان بنحو 10 مليارات دولار سنويًا - 5 مليارات دولار منها بسبب سوء إدارة الأموال العامة، والعوائد المحدودة على الاستثمارات، و5 مليارات دولار أخرى من جرّاء خسارة الفرص الاقتصادية الناتجة عن هروب رؤوس الأموال وتردّد المستثمرين المحتملين. وتفيد منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن 57٪ من حالات الفساد في العالم ترتبط مباشرة بصفقات الشراء العام.[5] أخيرًا، يقدَّر أيضًا أنّه يمكن لكل مليار دولار أميركي يتمّ استثماره في البنية التحتية في لبنان، أن يخلق 43 ألف فرصة عمل تقريبًا.[6]
 
وقد أشار تقرير مسح MAPS – وهو حصيلة عملية استشارية وطنية واسعة شارك فيها أكثر من 200 شخص – إلى ثغرات جوهرية على أربعة مستويات:
 
  • الإطار القانوني الذي يعتبر متناقضًا وغير شفاف ولا يتوافق مع المبادئ الدولية.
  • ضعف القدرات المؤسساتية، مع بروز ثغرات واضحة في القدرات والبنية التحتية التكنولوجية وعدم كفاءة أنظمة إدارة المعلومات ومخاطر الفساد المتزايدة.
  • عمليات الشراء غير الموحّدة والممارسات غير التنافسية مع اللجوء المفرط لـ«الاتفاقات بالتراضي» التي تحدّ من المنافسة العادلة.
  • نقص الشفافية والمساءلة، بما في ذلك الوصول غير المنتظم إلى البيانات وعدم فعالية الإشراف والرقابة.
 
القانون رقم 244/2021: مقاربة سياساتية جديدة ومرتكزة على الأدلة
نتج عن المقاربة السياساتية التي قادها معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي ووزارة المالية[7] بين آذار 2019 وحزيران 2021 إقرار أوّل قانون للشراء العام (القانون 244/2021) في لبنان. وقد اعتمدت هذه المقاربة على ركائز ثلاث هي:
 
  1. الاستناد إلى الأدلة والقرائن: قامت المقاربة الجديدة على تشخيص شامل استند إلى منهجية معتمدة دولياً (MAPS II)، أنتجت تحليلاً معمّقاً لواقع الثغرات وإلى توصيات مبنية على الأدلة. كذلك جرى استكمالها بتحليل مُقارَن، وقياساً مع القوانين الأخرى المعتمدة في عدد من بلدان المنطقة، مثل الأردن وفلسطين ومصر والمغرب وتونس. كما اعتمدت منهجية وضع القانون على قانون الأونسيترال النموذجي (2011)[8] وتوصية منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2016)[9]، وذلك بما يتلاءم مع الإطار القانوني اللبناني. كما ساهمت المساندة التقنية التي قدّمها الشركاء الدوليون، ولاسيما البنك الدولي ومبادرة "سيغما" المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية[10] في ضمان امتثال مشروع القانون للمتطلّبات الدولية.
 
  1.  تحديد المبادئ التوجيهية: استند القانون الجديد إلى ثمانية مبادئ توجيهية[11] كان الهدف منها تغيير طريقة مقاربة الجهات الشارية وعمليات الشراء العام على المستويين المركزي والمحلي وهي:
 
  • الشمولية: يُطبّق القانون على جميع الجهات، على المستويين المركزي والمحلي،[12] وعلى جميع أنواع المشتريات أي تنفيذ الأشغال، وتوريد اللوازم وتقديم الخدمات بما فيها الخدمات الاستشارية، سواء أكانت مموّلة من الموازنة أو الخزينة أو من هبات وقروض داخلية وخارجية.
  • التخطيط والدمج مع الموازنات: يشجّع القانون التخطيط المتوسّط المدى في إعداد الموازنات ويحسّن تصميم دورة الشراء والتخطيط لها، كما يسمح بتحسين عملية إدراج موازنات الجهات الشارية ضمن الموازنة العامة وإدارة السيولة.
  • المساءلة: تطبيق آليات رقابية واضحة، من ضمنها إنشاء هيئة ناظمة ووضع إطار للشكاوى والاعتراض يتمتع بالفعالية والاستقلالية وسرعة الاستجابة.
  • الفعالية والمنافسة: يكرّس القانون الإجراءات التنافسية بصفتها قاعدةً عامة، ويقرّ واعتماد ضوابط صارمة تحدّ من الاتفاقات الرضائيّة وإدخال طرق شراء جديدة تتماشى مع متطلبات الحداثة.
  • النزاهة: يعطي القانون تعريفًا واضحًا للمصطلحات مثل «النزاهة» و«تضارب المصالح»، ويحدّد هذه الحالات، كما يبيّن أنواع ودرجات العقوبات التي تنطبق على موظّفي كلّ من القطاعين الخاص والعام بالإضافة إلى تحديد أنواع الرقابة والعقوبات بدرجات تتناسب مع نوع المخالفة
  • الشفافية: بموجب هذا القانون، أصبح الوصول إلى المعلومات والبيانات ونشرها إلزاميًا وتلقائيًا لكافة الجهات المعنية على المنصة الإلكترونية المركزية.
  • التخصّص: يُدرج القانون الشراء العام كوظيفة محدّدة، قائمة بذاتها، ضمن الهيكل الوظيفي في الدولة فضلًا عن تخصيص موارد بشريّة عالية المهنيّة للقيام بعمليات الشراء، وموجب التدريب المستمر للعاملين في هذا المجال.
  • الاستدامة: يشجّع القانون عمليات الشراء على مراعاة التنمية المستدامة مع الحرص على تحقيق التوازن بين المنافع المحتملة وعلى تحقيق القيمة الفضلى من إنفاق المال العام.
 
  1. مقاربة اجتماعية تحوّلية: في إطار مناقشة اقتراح القانون والمراحل المختلفة التي سبقت إقراره، تمّت مقاربة الشراء العام كأحد عوامل التمكين الرئيسية لتحقيق التحوّل الاجتماعي. وقد أُجري مسح لمهام وأدوار الجهات المعنية بمنظومة الشراء العام للاستعانة بنتائجه خلال المناقشات وترتيب الأولويات. وتمّ خلال هذه العملية التشديد على إشراك المؤسسات سواء في قطاع الأعمال أو وسائل الإعلام أو منظمات المجتمع المدني، وذلك عن طريق التشاور معها بصورة منهجيّة ومتواصلة، والطلب إليها إبداء الرأي والملاحظات على النصوص التشريعية. ساهمت جلسات تبادل الآراء والإحاطة المستمرة لجميع المعنيين في مواكبة التقدّم المحرز ومن خلال الاطلاع على التحديات التي تواجهها بلدان مماثلة، كما أغنت هذا المسار التشاوري البيانات والمعطيات العملية.
 
ساعدت هذه المقاربة في تغيير نظرة الجهات المعنية إلى الشراء العام، فاتضح مع الوقت أنّ الإنفاق بشكل استراتيجي وربط عملية الشراء بإعداد الموازنات والتخطيط والنتائج المرجوّة هو المسار الأكثر ملاءمة، عوضاً عن النهج التقليدي الذي يتمحور حول الامتثال الإداريّ والقانوني المحض والذي يغفل المقاربة الاقتصادية والاجتماعية للشراء العام. فمنذ البداية، تُعتبر هذه «الشراكات بين القطاعات» مدخلًا أساسيًا لتحسين النتائج الاجتماعية.
 
عملية تحوّلية خلال المناقشات في مجلس النواب
في سياق هذه المقاربة الجديدة، لوحظ التبدّل في سلوك صانعي السياسات، وتحديدًا أعضاء اللجنة النيابية الفرعية التي درست القانون وناقشته على مدار 45 جلسة،[13] وذلك على ثلاثة مستويات:
 
  • الانفتاح على مواقف، آراء وهواجس الجهات المعنية: دُعيت الجهات الحكومية وقطاع الأعمال ومنظمات المجتمع المدني إلى مجلس النواب للتعبير عن آرائها ومواقفها. وطُلب منها تقديم ملاحظات خطّية لتحسين المسودّة الأولى لاقتراح القانون، وذلك بهدف الحدّ من مخاطر مواجهة ردود الفعل غير البنّاءة ومقاومة التغيير عند إقرار القانون. كما تمّت استشارتها خلال أكثر من 50 اجتماعًا حول مواضيع محدّدة ذات الصلة، مثل حوكمة منظومة الشراء العام والتخصص في وظيفة الشراء وغيرها من المواضيع.
 
  • العمل مع خبراء متخصّصين: بما أنّ قدرة صانعي السياسات على تنفيذ الإصلاحات الضرورية «بموضوعية» هي محطّ تساؤل، أبدى رئيس وأعضاء اللجنة النيابية الفرعية حول الشراء العام انفتاحًا على فكرة أن يقوم فريق من الخبراء المتخصصين من معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي بدور «بناة الجسور» للمساهمة في تقريب وجهات النظر. برغم أنّ تلك المقاربة لا تزال جديدة بالنسبة إلى لبنان، إلّا أنّها أثبتت نجاحها وصولاُ إلى اعتراف النواب علنًا أنّ الالتزام السياسي بالإصلاح المقترن بقدرات ومساهمات فنية متخصصة وعالية الكفاءة هو مكوّن أساسي للنجاح يجب اعتماده في صياغة مناقشة مشاريع واقتراحات قوانين أخرى.
 
  • رفع مستوى مساهمة المجتمع المدني في وضع السياسات العامة: في خطوة تجاوزت المقاربة التقليدية التي كانت تكتفي بدعوة الجهات الفاعلة غير الحكومية للاطلاع على سير العمل، تم حثّ هذه الجهات على رفع مستوى مساهمتها في عملية وضع السياسات. لذلك، أُشركت منظمات المجتمع المدني بهذه العملية عبر مساهمتها في أعمال مسح MAPS، ثم في خلال مناقشات اقتراح القانون. وقد نظم معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، بشكل منتظم، دورات تدريبية وحلقات توعية وحوار استهدفت الناشطين ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في إطار المساندة الفنية التي قدّمها لعمل اللجنة النيابية. بذلك، تحوّل «الشراء العام» إلى صدارة العناوين والتحليلات الصحفية ما يعكس اهتمامًا متزايدًا في فهم كيفية إنفاق المال العام.
 
قانون شراء عام مبني على مقاربة تحقيق النتائج
يهيّئ قانون الشراء العام في لبنان (القانون 244/2021) الأرضية اللازمة للحوكمة المالية السليمة من خلال وضع حجر الأساس لنظام إدارة مالية متكامل ومتماسك. وهو يفرض على كافة الجهات الشارية أن تعدّ الخطط والموازنات لمشاريعها بما يضمن القيمة الفضلى من إنفاق المال العام، ويؤمّن استدامة الموارد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، والنظم والأطر الفعّالة للمساءلة.
 
بهدف تطوير عملية دمج الشراء في إعداد الموازنة العامة، يُطلب من الجهات الشارية المعنية، من مختلف الأحجام وعلى كافة المستويات، أن تحدّد احتياجاتها مسبقًا وأن تضع خططًا سنوية للعام التالي بناءً على نماذج وإجراءات موحّدة. يوفّر القانون أيضًا إمكانية وضع خطة شراء على سنة واحدة أو على عدّة سنوات، حيث يتطلّب تنفيذ المشاريع جدولة الالتزامات ضمن إطار متوسط أو طويل الأمد. بعد ذلك تقوم الهيئة الناظمة بجمع خطط الشراء لنشرها على المنصة الإلكترونية المركزية، من أجل إطلاع الأطراف المهتمة على فرص الشراء المتاحة ومنحها الوقت الكافي للتحضير لعملية تقديم العروض.
 
وبما أنّ الاقتصاد اللبناني يعاني من تراجع مُطرد في القدرة التنافسية حيث انخفض ترتيبه من المركز 80 عام 2018 إلى المركز 88 عام 2019 (من أصل 141 دولة)، نصّ القانون على أحكام تضمن فرصًا عادلة ومتكافئة لجميع المورّدين المحتملين للمشاركة على قاعدة تنافسية، ما يحدّ من اللجوء إلى الاتفاقات بالتراضي من خلال اعتماد إجراءات واضحة ومتكاملة وموحّدة.
 
بالإضافة إلى ذلك، تمثل المؤسسات الصغيرة والمتوسّطة في لبنان أكثر من 90٪ من إجمالي المؤسسات، غير أنها تبقى غير قادرة على المشاركة بفعالية في العقود الحكومية. لكنّ القانون الجديد يوفّر حوافز للتنمية الاقتصادية من خلال ضمان حق مشاركة المؤسسات الصغيرة والمتوسّطة على نحو عادل وشفاف، فضلًا عن توجيه القدرة الشرائية للحكومة نحو التنمية المستدامة.
 
وفي ضوء تراجع مركز لبنان على مؤشر مدركات الفساد (المرتبة 149 من أصل 180 دولة في العام 2020)، يهدف القانون إلى المساعدة في تحقيق التزامات لبنان الدولية لجهة مكافحة الفساد وضمان الشفافية في عمليات الإدارة المالية. وهو يؤكد على الوصول الحرّ والمنهجي والمجاني إلى المعلومات والبيانات المتعلّقة بالشراء عبر منصة إلكترونية مركزية، على غرار المنصات المعتمدة في تونس (تونيبس/Tuneps) وأوكرانيا (بروزورو/ProZorro) وتشيلي (ميركادوس بوبليكوس/Mercados Publicos) والمكسيك (كومبرا نيت/CompraNet). كما يوفّر الأساس القانوني لاعتماد الشراء الإلكتروني وإدارة البيانات.
 
نحو توافق كامل مع المعايير الدولية
في محاولة لتغيير طريقة التخطيط للشراء العام وتنفيذه ومراقبته، ألغى القانون مرسوم تصنيف المتعهدين[14] الذي ساهم في احتكار سوق الشراء العام، وحدّ من مشاركة الوافدين الجدد، ما حدّ بالتالي من المنافسة. تمّ استبدال التصنيف بـ«إجراءات التأهيل المسبق» المفصّلة والواضحة والمطبّقة دوليًا، والتي ينبغي على مقدمي العروض/المقاولين اتباعها قبل أن يتمكّنوا من تقديم عروضهم. بالإضافة إلى ذلك، يوفّر القانون لكل من الحكومة والمورّد/ المقاول إمكانية اللجوء إلى التحكيم.
 
ووفقًا للممارسات الجيدة، ينصّ القانون على نموذج حوكمة يرسل مؤشرًا إيجابيًا قويًا للمستثمرين وللجمهور، من خلال إنشاء هيئتين جديدتين:
 
  • هيئة الشراء العام، وهي هيئة ناظمة مهمتها وضع سياسات الشراء وتوفير الإرشادات والتدابير التصحيحية وتشغيل المنصة الإلكترونية. يطوّر القانون دور إدارة المناقصات لتصبح «هيئة الشراء العام» ويشمل دورها تنظيم الشراء والإشراف عليه ومراقبته. يعيّن مجلس الوزراء أعضاءها تبعًا لآلية تعيين مفصّلة في القانون وقائمة على الجدارة، لضمان المستوى الملائم من المهنية والتخصص والنزاهة.
 
  • هيئة المراجعات، وهي هيئة مسؤولة عن البتّ بالشكاوى وتسمح للعارضين المحتملين والمورّدين الفعليين باستعادة الثقة من خلال توفير مسارات عادلة وشفافة وسريعة لتقديم الاعتراض في مرحلة ما قبل التعاقد، على غرار النماذج الناجحة المعتمدة في كرواتيا والدانمارك وجورجيا والنروج وبولندا ورومانيا. وأيضًا يعيّن مجلس الوزراء أعضاء هيئة المراجعات تبعًا لآلية مفصّلة في القانون وقائمة على الجدارة، ويسمح بطلب المشورة من خبراء القطاع الخاص في مراجعة الشكاوى.
 
الدروس المستخلصة
لإحراز التقدّم، لا بدّ من إجراء سلّة من الإصلاحات المالية والهيكلية الصعبة والمعقّدة. تفيد الدروس المستخلصة من تجربة إصلاح الشراء العام بأهمية أن يحظى المسار الاصلاحي بالتنسيق اللازم من قبل الجهات الحكومية المعنية. في موضوع الشراء العام، وزارة المالية هي الجهة المعنية بضمان تحقيق الإدارة السليمة للمالية العامة، والإشراف على الإنفاق الفعّال. كما يعدّ دور المنسّق الوطني أساسيًا من أجل إزالة العقبات وتطوير فهم مشترك بين الجهات المعنية بالإصلاح بشأن القضايا المعقّدة ذات الصلة، وترسيخ التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة، مع الالتزام بالحياد تجاه جميع الأطراف، ومراعاة القواعد والمعايير الدولية.
 
جاء تكليف معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي لقيادة إصلاح منظومة الشراء العام على المستوى الوطني عاملاً مساهماً بنجاح هذا المسار، كون المعهد يشكّل طرفاً محايداً يتمتّع بدرجة عالية من التخصّص. وقد تمكّن المعهد من سدّ الفجوة بين صانعي القرار والمجتمع المدني، من خلال اعتماده الموضوعية والتحليل المبني على المعطيات والقرائن وتوفير المشورة والدعم الفنيين. كما تمكّن من حشد شبكته الواسعة من الشركاء (المحليين والإقليميين والدوليين) لدعم العملية التشاورية حول الخيارات السياساتية من خلال توفير خبرات مستقلّة وتجارب مقارنة، والحرص على إطلاع صانعي السياسات على كيفية إجراء الإصلاحات في سياقات مماثلة.
 
الخطوات الضرورية للمضيّ قُدمًا
يبقى إقرار قانون الشراء العام خطوة ناقصة ما لم يترافق مع اعتماد رؤية وطنية مشتركة لإصلاح منظومة الشراء العام. من الأولوية يجب الحفاظ على الالتزام السياسي بتقدّم هذ المسار الاصلاحي، مع ضمان التنسيق الفعّال والحوار المستمر حول القضايا ذات الاهتمام لدى الجهات المعنية. التحديات كثيرة؛ لذلك يجب تحديد الأولويات وتنسيق الجهود من خلال استراتيجية وطنية لإصلاح الشراء العام تتبنّاها كافة الأطراف ويصادق عليها مجلس الوزراء. من شأن هذه الاستراتيجية أن تحدّد كافة الخطوات القانونية والمؤسساتية والتشغيلية اللازمة وترتّبها حسب الأولويات لضمان دخول القانون حيز التنفيذ في تموز 2022، مع إجراءات سريعة موجهة على مستوى:
 
  • إصدار المراسيم التطبيقية لتنظيم وهيكلة الهيئتين الجديدتين (هيئة الشراء العام وهيئة المراجعات) المنصوص عليهما في القانون؛
  • توفير الأدوات الإرشادية والنماذج المعيارية للعاملين في الشراء العام؛
  • اعتماد ونشر وتوفير دفاتر شروط موحّدة؛
  • تنفيذ برامج للتوعية وبناء القدرات على نطاق واسع؛
  • تطوير المنصة الإلكترونية المركزية وتشغيلها.
 
على عكس ما هو شائع في لبنان لجهة إقرار القوانين وعدم تطبيقها بشكل فعّال، وبالنظر إلى طبيعة قانون الشراء العام الذي يشمل نطاق تطبيقه الإدارات العامة كافة، كما يطال تأثيره على الاقتصاد الوطني والمجتمع بأسره، فإنّ تطبيقه السليم سيعتمد على:
  1. الدعم المستمر من قبل الحكومة والمجلس النيابي، والتزامهما بالمضي قدما" في الإصلاحات الواردة في البيان الوزاري؛
  2. استعداد قطاعَي الأعمال والإعلام ومنظمات المجتمع المدنيّ للمساهمة في المسار الإصلاحي والعمل بالشراكة مع القطاع العام؛
  3. استعداد المستويات الحكوميّة ذات الصلاحيات المتقاطعة على العمل معًا، ولا سيما بالنسبة إلى الأدوار المتداخلة للوزارات المركزية والسلطات المحلية؛
  4. الحدّ من استنزاف القدرات البشرية في القطاعين العام والخاص للحفاظ على الخبرات المتوفرة؛
  5. ضمان استدامة التعاون الدولي والتقني والمشورة لدعم عملية الإصلاح.
 
إنّ قانون الشراء العام أداة سياساتيّة أساس، لكنه يبقى وحده غير كافٍ لتحقيق النتائج التغييرية المرجوّة على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، من غير الواضح إلى أيّ مدى قد ينجح تضمين هذا القانون قيمة اجتماعية تساهم في تحقيق التعافي الاقتصادي والازدهار في ظلّ سياق وطنيّ يتّسم بمستويات عالية من اللامساواة والفروقات الاجتماعية[15]. كذلك تبقى المخاطر عالية حول مدى الوصول الحرّ والمجاني إلى البيانات، أو مدى قدرة تأثير القانون في ظلّ الهيمنة المتجذّرة للقوى السياسية.
 
في هذا السياق، الدعوة موجّهة لصانعي القرار والعاملين في القطاع العام وقطاع الأعمال ومنظمات المجتمع المدني والشركاء الدوليين لتوحيد الجهود في مواجهة التحديات والحفاظ على نموذج فريد وشامل وتشاركي في عملية صنع السياسات في لبنان، نموذج استطاع أن يحقّق نتائج ملموسة، وهو اليوم يَعِد بآفاق ممتازة.
 
[1] البنك الدولي، مرصد الاقتصاد اللبناني، ربيع 2021: لبنان يغرق (نحو أسوأ ثلاث أزمات عالمية).
[2] البنك الدولي، إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان، تشرين الثاني 2020.
[3] الحكومة التي تشكلت بموجب المرسوم رقم 8376 بتاريخ 10 أيلول 2021.
[4] لا يشمل الحجم المقدّر للشراء العام مشتريات المؤسسات العامة والبلديات بسبب عدم توفّر البيانات الدقيقة.
[5] تقرير منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الرشوة الأجنبية، 2014
[6] البنك الدولي، «البنية التحتية وخلق فرص العمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». توجيهات البنك الدولي لتنمية البنى التحتية 74918، 2013.
[7] كلّف وزير المالية معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي بقيادة عملية إصلاح الشراء العام (القرار رقم 109/1 تاريخ 4 آذار 2019 والقرار رقم 199/1 تاريخ 9 حزيران 2020).
[8] يتضمّن قانون الأونسيترال النموذجي للاشتراء العمومي لعام 2011 إجراءات ومبادئ تهدف إلى تحقيق القيمة من إنفاق المال العام وتجنّب التجاوزات في عملية الشراء. ويسمح القانون النموذجي لعام 2011 للدولة المشترعة بتطوير نظام شراء يحقّق القيمة مقابل المال ويتجنّب التجاوزات.
[9] تحرص توصية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الصادرة عن مجلس المشتريات العامة على الاستخدام الاستراتيجي والشامل للمشتريات العامة. وتوفّر مرجعًا معاصرًا للقرن الحادي والعشرين من أجل تحديث أنظمة الشراء ويمكن تطبيقه على جميع المستويات الحكومية والمؤسسات المملوكة من الدولة.
[10] سيغما (الدعم من أجل تحسين الحوكمة والإدارة) هي مبادرة مشتركة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الأوروبي، وتعمل مع البلدان على تعزيز أنظمة الحوكمة العامة وقدرات الإدارة العامة.
[11] تضمن المبادئ الثمانية الامتثال للمبادئ الدولية التي حددتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
[12] يشمل ذلك الإدارات العامة والبلديات واتحادات البلديات والمؤسسات العامة (بما فيها مجلس الإنماء والإعمار) والقوى الأمنية والعسكرية والهيئات الناظمة والمؤسسات المملوكة من الدولة والمرافق العامة والأشخاص المعنويين والبعثات الدبلوماسية والهيئات العامة الأخرى.
[13] ترأس النائب ياسين جابر اللجنة النيابية المؤلّفة من 10 أعضاء يمثلون جميع الكتل النيابية والأحزاب السياسية.
[14] إلغاء المرسوم رقم 9333 الصادر بتاريخ 26/12/2002 بشأن تصنيف المتعهدين ومكاتب الدروس للاشتراك بتنفيذ صفقات الأشغال العامة، والمرسوم 3688 الصادر في 25/1/1966 بشأن تحديد شروط المشاركة في تنفيذ بعض الصفقات العامة.
[15] "صُنف لبنان من بين أكثر عشر دول غير عادلة في العالم من حيث توزيع الثروات (تم تعريف الثروة في دراسة نشرتها مجموعة كريدي سويس Credit Suisse على أنها القيمة التجارية للأصول والأصول المالية وغيرها، ناقص الديون، باستثناء الأرقام المتعلقة باللاجئين السوريين)". النمو المقلق في عدم المساواة والفقر The Worrisome Growth of Inequality and Poverty، للمؤلف برونو دويلي، أطلس لبنان، منشورات المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، 2019.








Copyright © 2024 by the Lebanese Center for Policy Studies, Inc. All rights reserved. Design and developed by Polypod.