Home | About LCPS | Contact | Careers

Featured Analysis


ليلى داغر, هي زميلة باحثة أولى في المركز اللبناني للدراسات. وهي أستاذة مشاركة في الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت.


December 2021
برنامج شفّاف وفعّال للمساعدة النقدية: حلم أم حقيقة؟

يتعرّض لبنان منذ العام 2019 لسيل جارف من الأزمات. فالانهيار المالي والاقتصادي المتواصل الذي تمرّ به البلاد اليوم ليس سوى حصيلة أكثر من 30 عامًا من سوء الإدارة الاجتماعية، والاقتصادية، والمالية، والضريبية، انهيار تفاقم مع انتشار جائحة كورونا، وضاعف من تأثيره الانفجار المدمّر في مرفأ بيروت.
 
طلبت الدولة اللبنانية مؤخرًا استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للتصدي للأزمة الاقتصادية الحادّة التي يعيشها البلد. ولا شكّ في أنّ إطلاق برنامج وطني شامل للحماية الاجتماعية هو أمر بالغ الأهمية، ومن شأنه أن يشكّل مكوّنًا أساسيًا في خطة التعافي. سيتألّف البرنامج الوطني للحماية الاجتماعية من مشروع «شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمـة وجائحـة كوفيـد-19 فـي لبنان (ESSN)» والمُموَّل من البنك الدولي، ومن «البرنامج شبه الشامل للتحويل النقدي غير المشروط (QUCT)» والمعروف باسم «البطاقة التمويلية»، بالإضافة إلى مخططات أخرى. ويهدف هذا المقال إلى تحليل العناصر الأساسية ومناقشة الخصائص الضرورية لضمان نجاح «البرنامج شبه الشامل للتحويل النقدي غير المشروط.»
 
انخفضت القدرة الشرائية للأسر اللبنانية بشكل دراماتيكيّ خلال الأشهر القليلة الماضية، في ظلّ ارتفاع معدّل التضخم بنسبة 137.75% في آب 2021، مقارنةً بما كان عليه في الشهر ذاته من السنة الفائتة.[1] وأيضًا، كان رفع الدعم (بالعملة الأجنبية) عن السلع والمنتجات الأساسية من جملة العوامل التي ساهمت في زيادة التضخم. كما أنّ الارتفاع الكبير في معدلات البطالة والذي لا يقترن بأيّ نظام تأمين ضدّ البطالة، ضاعف من عجز الأسر عن تأمين احتياجاتها الأساسية.
 
وقد اقترحت وزارة الاقتصاد والتجارة في أيلول 2020، بمساعدة تقنية من البنك الدولي، برنامجًا واسعًا للتحويل النقدي غير المشروط لتعويض العائلات الأكثر تأثرًا بالارتفاع الحاد في الأسعار. لكنّ هذا البرنامج لا يزال بدون تنفيذ برغم تسارع ارتفاع معدلات الفقر. فوفقًا لتقارير الإسكوا مثلًا، ارتفع معدّل الفقر الناجم عن انخفاض الدخل بين السكان من 25% في العام 2019 إلى 74% في العام 2021.[2] يتّضح من هذه الأرقام أنّ وضع برنامجٍ واسع النطاق بات أمرًا ضروريًّا – وفي الواقع، صُمِّمت «البطاقة التمويلية» التي طال انتظارها لتكون مكمّلة لمشروع شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمة وجائحة كوفيد-19 في لبنان، ويُتوقّع أن يؤمّن المشروعان معًا تغطية 75% من الشعب اللبناني.
 
نظرًا إلى النطاق الواسع للبرنامج، تنوي الحكومة اعتماد مقاربة تقوم على نوع من «اختبار الثراء». بتعبير آخر، يجوز لأيّ لبناني مقيم أن يقدّم طلبًا للاستفادة من البرنامج، ولكن سيتمّ الاستناد إلى عددٍ من المعايير لتحديد الربع الأكثر ثراءً من السكان واستثنائه من الفوائد النقدية. كما تقدّم هذه المقاربة فرصة لإنشاء سجلٍّ وطني موحّد يمكن الاستفادة منه في برامج الحماية الاجتماعية الأخرى.
 
المخاوف من عمليات الاحتيال والتلاعب
على الرغم من وجود توافقٍ عام حول الحاجة الملحّة إلى إنشاء برنامجٍ للمساعدة النقدية، فإنّ مخاوف كثيرة تتعلق بتطبيقه تظهر إلى العلن، من أهمّها أن تستخدم الأحزاب السياسية «البطاقة التمويلية» بمثابة نوعٍ من الرشوة في الانتخابات النيابية المرتقبة في 2022. في الحقيقة، حدّدت الدراسات مخاطر الفساد في مراحل أربع من العملية،[3] أمّا في حالة لبنان، فإنّ تحديد مجموعة المستفيدين ولا سيّما في الأسابيع التي تسبق الانتخابات، يأتي على رأس لائحة المخاطر. لذلك من الضروري جدًّا إنشاء آليات واضحة وفعّالة لاستهداف المستفيدين، مع ضمان الشفافية في مراحل العملية كافّة، لتجنّب أي محاولة للتلاعب السياسي.
 
أقرّ المجلس النيابي في تمّوز 2021 القانون رقم 230، المؤلَّف من ثماني موادّ تتناول الهيكلية الأساسية لبرنامج التحويل النقدي وآلية تمويله. أمّا معايير الأهلية وتفاصيل التنفيذ الأخرى فتُرك تحديدها للجنة وزارية يرأسها رئيس الحكومة. يحدّد القانون هدف البرنامج، وهو تعويض العائلات خسارة قدرتها الشرائية بعد رفع الدعم، بمبلغ أقصاه 126 دولارًا أميركيًا لكلّ أسرة، وبمتوسّط 93.3 دولارًا أميركيًا لمدّة سنة.
 
تتضمن المادة الخامسة من القانون نصًّا واضحًا يتعلّق برفع السرية المصرفية عن حسابات مقدّمي الطلبات، بغضّ النظر عن العمر أو أيّ اعتبارات أخرى. ومن شأن أيّ محاولة لاستثناء القاصرين أو مجموعاتٍ أو فئاتٍ أخرى من هذا الشرط أن تشرّع الأبواب أمام عمليات الاحتيال- خاصةً وأنّه يجب على الحساب المصرفي ألا يتخطى سقفًا معيّنًا كمعيار رئيسي للتأهل. بالتالي، لا تستطيع السلطات المعنية تحديد الأهلية إلّا في حال رُفِعت السرية المصرفية، بعد أن يعطي مقدّم الطلب موافقته على ذلك في الطلب الإلكتروني.
 
من المهمّ جدًّا اعتماد وسيلة تعريف واحدة من أجل كشف عمليات الاحتيال في الاستفادة من المساعدة الاجتماعية، كتقديم المستفيد الواحد أكثر من طلب أو تقديم الطلبات بأسماء وهمية. كما أنّ وسيلة التعريف الواحدة والمشترَكة من شأنها تسهيل مراقبة الإنفاق في عدّة برامج حماية اجتماعية. الوسيلة الوحيدة المُرشّحة في لبنان لهذا الدور هي بطاقة الهوية الوطنية (المعروفة بالعامية باسم «التذكرة»)، إذ إنها بطاقة التعريف الوحيدة التي تتضمن صورة فوتوغرافية، والتي لا يتغيّر رقمها عند تجديدها، بعكس جوازات السفر على سبيل المثال. وكإجراء احترازيّ إضافيّ، يجب أن يتضمّن الطلب تقديم صورة للوجه بطريقة «سيلفي»، يمكن استخدامها للتحقّق عبر برمجيّة لتمييز الوجوه – وهي عملية تُعرف بالقياسات البيومترية للصورة الشخصية «سيلفي». من الممكن أيضًا إتاحة خيارات أخرى، كبصمات الأصابع أو مسح قزحية العين بواسطة السكانر، للأشخاص الذين لا يرغبون بتحميل صورتهم لأيّ سبب كان.
 
العملة والأتمتة والتنفيذ
شكّل خيار العملة التي يجب اعتمادها لتوزيع المساعدات - الليرة اللبنانية أو الدولار الأميركي- موضوع جدل بين السياسيين اللبنانيين. ولكنّ معظم الخبراء يميلون إلى الموافقة على أنها يجب أن تكون بالدولار الأميركي (لا سيما إذا كان مصدر التمويل بالدولار[4])، وذلك لعدّة أسباب. الأوّل، لأنها تؤمّن استقرارًا في القدرة الشرائية، فلا تتغيّر مع الوقت قيمة المساعدة المُقدَّمة. وحتّى ولو تمّ الدفع بالليرة اللبنانية بسعر الصرف في السوق الموازي، فالمبلغ المدفوع سيخسر جزءًا من قدرته بسبب التّقلبات شبه اليومية في سعر صرف الدولار.[5] ثانيًا، من المرجّح أن يؤدّي استخدام العملة المحليّة إلى زيادة التضخم من خلال زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية. ثالثًا، يقدّم برنامج شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمة وجائحة كوفيد-19 المذكور أعلاه، الدعم بالدولار الأميركي، ممّا قد يخلق شعورًا بعدم المساواة لدى المستفيدين من «البطاقة التمويلية» في حال حصولهم على المساعدة بالليرة، ما يخلق حالًا من التوتر الاجتماعيّ.
 
تجنُّبًا لتحوّل برنامج المساعدة النقدية إلى أداة للزبائنية والمحسوبيات، يجب أتمتة عملية اختيار المستفيدين منه. ومن الممكن تحقيق الأتمتة الكاملة إذا تمّ تصميم البرنامج بطريقة جيّدة. على سبيل المثال، يجب أن يتمّ التأكّد من أنّ أرصدة حسابات مقدّمي الطلبات لا تتخطّى السقف المحدّد، وذلك عبر استخدام واجهات برمجة التطبيقات (APIs)، التي لا تدع مجالًا لأيّ خطأ بشريّ. بالإضافة إلى ذلك، يحقّ لكلّ شخص لم يُعتبر أهلًا للاستفادة من البرنامج أن يعرف الأسباب التي أدّت إلى استثنائه، وأن يطعن بالقرار عبر آليّة شكاوى فعالة. والأهم من ذلك، ولتحقيق مستوى أعلى من المساءلة، يجب أن تكوّن جهة مراقبة خارجية إحدى السمات الأساسية في البرنامج. أخيرًا، يجب تحديد معايير الاستثناء بشكلٍ واضح والإفصاح عنها فور انتهاء مرحلة الاختيار.
 
بشكلٍ عام، يتمّ تصميم هذا النوع من البرامج ليُطبَّق على مستوى الأسر. لذلك فإنّ تضمين البرنامج مساعدة ماليّة إضافيّة لكلّ أسرة، على الشكل الذي تتم مناقشته حاليًا، قد يحفّز أفراد الأسرة الواحدة على أن ينقسموا ويتقدّموا بطلبات كأسر متعددة - ما يشكّل استغلالًا يصعب كشفه. وبغياب نظام موثوق لتحديد عناوين السكن، وأيّة بياناتٍ مؤكدة حول تركيبة الأسر وترتيباتها المعيشية في لبنان، قد يكون تطبيق البرنامج على المستوى الفردي أكثر فعاليّة، وذلك عبر تحديد مبلغ لكلّ فرد مستفيد، مع إمكانية تقديم مساعدة إضافية[6] عند الضرورة للمسنّين أو للأطفال ضمن الأسرة.
 
يجب التعامل بجدية مع الاحتيال في مجال الرعاية الاجتماعية، وهو يُعتبر جريمة جنائية. لحماية الأموال العامة ومكافحة الاحتيال واستغلال البرامج الاجتماعية، يجب أن يبيّن الطلب الإلكتروني بوضوح العقوبات المدنية (كاسترداد ضعفي أو ثلاثة أضعاف المبالغ التي استُحصل عليها بطريقة غير شرعية، على سبيل المثال)، بالإضافة إلى الملاحقة الجزائية. وآنذاك تقرّر المحاكم المختصة العقوبات الجنائية المناسبة التي يجب فرضها على كل مَن يُدان باستغلال النظام.
 
حدّد القانون الحالي مدّة البرنامج بعام واحد فقط. من المفضّل أن تُحدَّد لبرامج المساعدة النقدية الواسعة النطاق مهلة زمنية، كي لا تشجّع على البطالة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتضمن هذه البرامج استراتيجيات خروج واضحة تسمح بإخراج تدريجيّ للأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة مؤقتة، وبدمج الآخرين في برامج الحماية الاجتماعية المتوفرة على المدى المتوسط. يجب أن تشمل خطة الخروج خارطة طريق واضحة حول كيفية الانتقال من التغطية الواسعة النطاق في بداية الأزمة، إلى مجموعة مستهدفة وأقلّ عددًا من المستفيدين مع تعافي الاقتصاد.
 
باختصار، يُعَدّ البرنامج شبه الشامل للتحويل النقدي أساسيًا وضروريًّا في الوقت الراهن، لا سيما في ضوء الوضع الاجتماعي والاقتصادي المأساوي في البلاد. ولكن يجب تصميم البرنامج بعناية بالغة، وتنفيذه بشفافية كي لا يتمّ استخدامه كوسيلة لشراء أصوات الناخبين. من هنا، توفر آليات الرقابة الفعالة وضمانات مكافحة الفساد الفرصة لاستعادة ثقة اللبنانيين وغيرهم من أصحاب المصلحة، وهي حجر الأساس لأي خطة تسعى إلى تحقيق التعافي الاقتصادي.
 
[1] تقرير إدارة الإحصاء المركزي في آب 2021 بشأن الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك في لبنان
[2] موجز سياسات الإسكوا رقم 21-00634، «الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان (2019-2021)»
[3] إنج أموندسن. "كوفيد-19، التحويل النقدي والفساد." Covid-19, cash transfers and corruption. الموجز التاسع لمجموعة U4 (2020)
[4] العائق الوحيد المتبقّي هو مصدر التمويل. يجري النظر في أموال حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي (تلقّى لبنان مؤخرًا مبلغًا يساوي 1.135 مليار دولار أميركي)، أو تحويل القروض الموجودة غير المُستخدَمة بالدولار الأميركي، إضافةً إلى خيارات أخرى.
[5] يوصي استعراض الممارسات السليمة حول المساعدات النقدية في سياقات ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة بتأمين المساعدة على شكل تحويلات بالدولار الأميركي للحفاظ على القدرة الشرائية لدى المستفيدين في الدول التي تواجه مستوى مرتفعًا من التضخم.
[6] مبلغ إضافي على التحويل النقدي الشهري الذي يحصل عليه كلّ فرد مؤهل.








Copyright © 2024 by the Lebanese Center for Policy Studies, Inc. All rights reserved. Design and developed by Polypod.