December 20, 2018مقابلة مع الدكتور مروان بركات: تحليل خبير بشأن الاستقرار الاقتصادي والمالي في لبنان
تكثر التكهنات في لبنان بشأن مستقبل الاقتصاد الوطني، وقطاع المصارف، والماليّة العامة. وقد أجرى المركز اللّبناني للدراسات، ضمن إطار جهوده الهادفة إلى تحفيز حوارٍ بنّاءٍ بشأن القضايا الوطنيّة الملحّة، سلسلةً من المقابلات مع اقتصاديّين لديهم وجهات نظر مختلفة بشأن مستقبل لبنان الاقتصادي، والضريبي، والمالي. وفي هذا الإطار أجرينا مقابلة مع الدكتور مروان بركات، وهو كبير الاقتصاديّين ورئيس قسم الأبحاث في بنك عوده. وقد عبّر عن تفاؤلٍ موزونٍ إزاء حالة القطاع المصرفيّ والنقديّ، ولكنّه لفت إلى الحاجة إلى تحفيز الاستثمار الخاص، وتعزيز قطاع التصدير اللبناني، وتحسين البنى التحتيّة في كافة أنحاء البلد.
طغت على الأخبار الّلبنانيّة خلال الأشهر الأخيرة شائعات بشأن استدامة الاقتصاد الوطني. بماذا تختلف التحدّيات الاقتصاديّة الّتي يختبرها لبنان حاليًّا عن التحدّيات الماضية، إن لجهة العوامل الداخليّة أو الخارجيّة؟
لو أردت أن ألخّص الوضع ببضع كلمات، لقلت أن القطاع الحقيقي للاقتصاد اللبناني في وهن مستمر إنما القطاع المصرفي لا يزال سليماً والقطاع النقدي لا يزال مدعوماً بعناصر حماية لافتة.
فعلى صعيد القطاع الحقيقي، فإن النمو الاقتصادي في لبنان يسير بوتيرة بطيئة بنسبة تقل عن 2٪، بالمقارنة مع متوسط نمو طويل الأجل بنسبة 5٪ ومقارنةً بمعدل نمو سنوي بلغ 9٪ خلال فترة الفورة الاقتصادية للبنان، أي خلال النصف الثاني من العقد المنصرم. أما الاستثمار فهو يتقلص بالقيم الحقيقية، مع تأجيل للقرارات الاستثمارية الكبرى، بحيث أن المستثمرين الراغبين في إنشاء فندق أو افتتاح مطعم أو مصنع يؤجلون ببساطة قراراتهم الاستثمارية، كما يتضح من خلال تراجع التسليفات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص. هذا وتستمر أزمة البطالة في لبنان في التصاعد مع تضاعف نسبة البطالة على مدى نصف العقد الماضي لتصل إلى أكثر من 20٪ اليوم في ظل غياب أي خلقٍ لفرص عمل جديدة لثلاثين ألف لبناني ينضمون إلى القوى العاملة كل عام. أما نسب التضخم فاتخذت منحىً تصاعدياً من معدل قريب إلى الصفر في العام 2016 إلى 4.5% في العام الماضي وإلى حوالي 8% هذا العام. مع الإشارة إلى أن ارتفاع نسب التضخم هذا العام يرتبط بمفاعيل إقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام إلى جانب الإجراءات الضريبية الأخيرة وتأثيرها على رسوم التعليم، ناهيك عن انعكاس ارتفاع أسعار النفط على تكلفة النقل. كل هذا يشير إلى أن الاقتصاد الوطني أقرب من وضعية الركود التضخمي (أي ركود بالترافق مع تضخم).
أما على الصعيد النقدي، فإن عناصر الحماية أو خطوط الدفاع في لبنان لا تزال بمكانة جيّدة على الرغم من وهن الاقتصاد الحقيقي. إذ يتمثّل خط الدفاع الأول في صدّ التحويلات من الليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية (أو المخاطر النقدية)، في حين أن خط الدفاع الثاني يتمثل في صدّ أي خروج للودائع المحلية إلى الخارج (أو المخاطر المالية). وبالنسبة لخط الدفاع الأول، فإن الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان تبلغ اليوم 44 مليار دولار، أي ما يعادل 81٪ من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه في ظل فترات الأزمات السابقة، أي بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 والحرب الإسرائيلية في العام 2006، تم تحويل ما يقارب 30٪ من الودائع بالليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية، في حين أن نسبة تغطية الكتلة النقدية بالليرة في لبنان تصل اليوم إلى 81% وهي تعادل ضعف متوسط تغطية الدول ذات التصنيف السيادي المماثل للبنان. أما بالنسبة لخط الدفاع الثاني، فتمثل السيولة الأولية لدى المصارف بالعملات الأجنبية أكثر من 50٪ من الودائع بالعملات الأجنبية. أي أنه في حال رغب نصف المودعين في مغادرة لبنان ونقل أموالهم إلى الخارج، فإن المصارف اللبنانية تملك سيولة كافية لتلبية احتياجات هؤلاء المودعين. مع الأخذ بعين الاعتبار أنه خلال أزمات 2005 و2006، تم خروج ما يناهز 4٪ فقط كحد أقصى من قاعدة الودائع المحلية إلى الخارج. وبعبارة أخرى، في حال تكررت خضات مماثلة، يبقى لبنان، على الأقل مالياً ونقدياً، متماسكاً إلى حدٍّ بعيد.
ما هي المتغيّرات الاقتصاديّة الأساسيّة الثلاث الّتي تستعين بها لتحديد أزمة في لبنان، وما هي المؤشرات الّتي تستخدمها لقياس هذه المتغيّرات؟
تتمحور إشارات الإنذار المبكرة للأزمة حول (1) تراجع كبير في الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف لبنان، أو (2) تناقص ملحوظ في الودائع المصرفيّة، أو (3) عجز كبير في ميزان المدفوعات. ولا تتوفّر هذه العناصر الثلاث اليوم، على الرغم من بعض أوجه عدم اليقين النسبيّة الّتي برزت مؤخرًا. وقد قاربت احتياطيات مصرف لبنان الأجنبية أرقامها القياسيّة خلال الأشهر الأخيرة الماضية، مع شبه استقرارٍ في الموجودات الخارجية لدى المصرف المركزيّ. وسجّلت الودائع المصرفية ارتفاعًا بـ 4.6 مليار دولار خلال السنة المنتهية في شهر آب، أو نموًّا بنسبة 4.2% سنويًّا، وهو معدّل لا زال يُعتبر كافيًا لتمويل اقتصاد لبنان بشقيه العام والخاص. وسجّل ميزان المدفوعات عجزًا بقيمة 1.1 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة، أي ما يوازي 2% من إجمالي الناتج المحلّي، وهو مستوىً لا زال يُعتبر تحت السيطرة. ويلي ذلك توازنًا نسبيًّا عام 2017 وفائضًا عام 2016 يُعزى إلى عمليّات الهندسة الماليّة من قبل مصرف لبنان.
إن المسار الطويل الأجل للاقتصاد اللبناني وللأسواق يعزز قناعتنا بأن الاقتصاد محكوم بالتقلبية، حيث لا ينبغي فقدان الأمل عندما تسوء الظروف كما أنه لا داعي للتفاؤل المفرط حين تتحسن المعطيات. فقد ثبُت أنه لا مجال للتفاؤل المطلق ولا للتشاؤم الدائم في ظل بيئة اقتصادية محكومة بالتقلبية بشكل عام. هذا ومن المهم التذكير هنا بأن الرهانات الطويلة الأجل على الأسواق اللبنانية أثبتت أنها صائبة حتى الآن. في الواقع، إن المردودية الفعلية التي تحققت كانت جاذبة بالمقارنة مع علاوات المخاطر المنطوية عليها. فمنذ العام 1993، استطاع المستثمر الذي آثر تحمل المخاطر السيادية اللبنانية أن يحقق مردوداً سنوياً وسطياً على سندات الخزينة اللبنانية بمعدل 11% وعلى سندات اليوروبوندز اللبنانية بمعدل 8%. ولا شك في أن هذه المردودية جاذبة، بالنسبة إلى تلك المسجلة في الأسواق الناشئة بشكل عام خلال هذه الفترة، في سوق لبنانية لم تشهد أي تدهور في سعر صرف العملة الوطنية أو أي تعثر في سداد الديون السيادية أكانت بالليرة اللبنانية أو بالعملات الأجنبية على المدى الطويل.
لا تنفكّ المنظمات الماليّة الدوليّة تعرب عن قلقها إزاء استدامة الوضع الاقتصادي في لبنان. فطالما أنّ هذه المخاوف لا توضّح للجهات السياسيّة في لبنان ضرورة الإصلاح، فهل من نقطة تحوّل يمكن أن تسهّل التعاون السياسيّ في مجال الإصلاحات الضروريّة؟
تتمثّل نقطة التحوّل ببلوغ وضعٍ تصبح فيه الاختلالات الماليّة في لبنان غير مستدامة إلى حدٍّ يوقع البلاد في فخ المديونية. ولا زالت الماليّة العامّة تُعتَبَرُ أحد أبرز عناصر الهشاشة في الاقتصاد الوطني. وتُعتبر نسب المديونية في لبنان مرتفعة جدًّا بالمقارنة مع المعايير العالميّة، إذ تصل نسبة الدين اليوم إلى 150%، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم، كما تصل نسبة العجز إلى نحو 8% من إجمالي الناتج المحلّي، وهي ضمن العشر الأول حول العالم.
في حين يُعتبر موضوع الإصلاح المالي حاجة ملحّة لمناعة الاقتصاد والأسواق في لبنان على المديين المتوسط والطويل الأجل، تبرز تساؤلات متزايدة حول أي توجه يجب أن تسلك الجهود الإصلاحية الأساسية في بلد يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ويقع ضمن العشر الأول حول العالم من حيث نسبة العجز المالي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
لا شك بأن نسبة تعبئة الموارد في لبنان (أي نسبة الإيرادات العامة الفعلية إلى الناتج المحلي الإجمالي) والتي وصلت إلى 20٪ خلال العام الماضي، تعدّ منخفضة مقارنة بالمعايير الدولية (36٪ في الاقتصاديات المتقدمة و26٪ في الأسواق الناشئة والاقتصاديات النامية). ويعزى ذلك جزئياً إلى أن لبنان يتمتع بمعدلات ضريبية أقل نسبياً، ولكن الأهم من ذلك أنه يرتبط بفجوة التهرب الضريبي المهمّة التي يعاني منها لبنان. هذا وفي حين يصعب رفع نسب الضرائب في اقتصاد يعاني من وهن في مناخ القطاع الحقيقي، فإن تعزيز نسب تعبئة الموارد يجب أن يأتي عن طريق مكافحة التهرب الضريبي، وهو ضرورة أساسية لأي سيناريو هبوط آمن في أوضاع المالية العامة في لبنان.
في الواقع، نقدّر حجم التهرب الضريبي في لبنان بحوالي 5 مليارات دولار في العام 2017 أي ما يوازي 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا التهرب الموازي للعجز المالي العام في لبنان متأتي بشكل خاص عن التهرب من عدد من الضرائب، منها ضريبة الدخل والضريبة على القيمة المضافة وإيرادات مؤسسة كهرباء لبنان والرسوم العقارية والجمركية.
وبما أن الدولة اللبنانية قد تعهدت بتخفيض العجز المالي العام بنسبة 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الخمس المقبلة، فإن سد ربع فجوة التهرب الضريبي خلال هذه الفترة من شأنه أن يضمن ما لا يقلّ عن نصف الجهد الإصلاحي المرجو الذي يحتاج لبنان إلى تحقيقه خلال نصف العقد القادم لضمان سيناريو الهبوط الآمن في أوضاع المالية العامة والتي لا تزال تشكل أحد أبرز عناصر الهشاشة في الاقتصاد اللبناني في وقتنا الحاضر.
ما هي التوصيات الثلاثة الأساسيّة في مجال السياسات الّتي تقدّمها للحكومة العتيدة؟
لا شك أن من شأن المؤتمرات الدولية الداعمة والتي يبدو أنها كانت ناجحة نسبياً أن ترسل إشارات إيجابية إلى مجتمع الاستثمار والأسواق وأن تساهم في تعزيز مقوّمات صمود لبنان المالي في المدى المنظور. إلا أن هذا يبقى غير كافٍ للانتقال من مرحلة النمو الاقتصادي الواهن الذي يشهده لبنان منذ سبع سنوات إلى مرحلة النهوض الاقتصادي الذي طال انتظاره، إذ يتطلّب ذلك إصلاحات هيكلية وبنيوية ومالية طال تأجيلها والتي من شأنها تمتين استقرار لبنان الاقتصادي خلال مرحلة ما بعد المؤتمرات الدولية. صحيح أن الحكومة التزمت بأجندة إصلاحية طموحة في باريس، لكن التحدي يكمن في تنفيذ هذه الأجندة، وهي مهمّةٌ ستواجهها الحكومة العتيدة، ولن تفلح إلّا إذا تمكّنت من تخطّي العوائق السياسية داخلية.
إن التحدي الاقتصادي الأبرز في يومنا هذا يكمن في الحدّ من حلقة النمو البطيء، لاسيما في أعقاب نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمتوسط قدره
1.8% خلال السنوات السبع الأخيرة. ما هي الركائز العامة لرفع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من مستواه الحالي إلى متوسط سنوي يقارب 5% في السنوات الخمس المقبلة للانتقال إلى دورة اقتصادية أكثر فعالية وإنتاجية؟ من أجل تقييم ذلك، لجأنا إلى نموذج ماكرو اقتصادي يدمج عدد من المتطلبات للسنوات الخمس المقبلة وقد أوصلنا ذلك إلى النتائج التالية:
أولاً، إن التحدي المحوري في سبيل تحفيز النمو يكمن في تحفيز الاستثمارات الخاصة، مع الإشارة إلى أن الاستثمار له التأثير الأكبر على النمو الاقتصادي الكلي من خلال مفعول مضاعف الاستثمار بشكل عام. فلبنان بحاجة إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي من 20٪ في العام 2017 إلى ما لا يقل عن 33% في الأفق، بعدما كان قد بلغ 31% قبيل الاضطرابات الإقليمية، ليولّد بذلك متوسطاً سنوياً قدره 20 مليار دولار من الاستثمار الخاص في غضون السنوات الخمس المقبلة. يتبع ذلك الحاجة إلى نمو سنوي في الاستهلاك الخاص بنسبة 7%، مدفوعاً بنمط استهلاكي أفضل من قبل اللبنانيّين المقيمين ومن توافد عدد أكبر من اللبنانيّين غير المقيمين ومن التحسن النسبي للنشاط السياحي. تجدر الإشارة إلى أن نمو الاستثمار من شأنه أن يعزز مكوّن العمالة في النمو الاقتصادي والذي يتطلب خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب أكثر من 30,000 لبناني ينضمون كل سنة إلى القوى العاملة في لبنان. في هذا السياق، تبرز معضلة خلق الوظائف في لبنان من بين القضايا الأساسية نظراً إلى أن معدل البطالة قد تضاعف ليصل إلى 20% مؤخراً. هذا ويرتبط تحفيز الاستثمار الخاص بتحسن بيئة الأعمال من خلال تخفيض التكاليف التشغيلية وتحسين سهولة مزاولة الأعمال في لبنان.
ثانياً، على الصعيد الخارجي، المطلوب هو تأمين نمو سنوي في الصادرات بنسبة 15% بعد تراجع صافي في الصادرات على مدى السنوات السبع الماضية. فعقب ازدياد ملحوظ في العجز التجاري خلال السنوات السبع الماضية، تعود معضلة الحساب الخارجي إلى الواجهة، والتي فاقمتها العجوزات المتتالية في ميزان المدفوعات بمقدار 9.6 مليارات دولار خلال السنوات الست الماضية. عليه، من الضروري اتخاذ تدابير لتعزيز الإنتاج المحلي وتحفيز السلع الموجهة نحو التصدير والسلع البديلة للاستيراد للحد من العجز التجاري الذي يبلغ اليوم نسبة تناهز 31% من الناتج المحلي الإجمالي. في هذا السياق، من المهم تحسين وتوسيع نطاق البرامج القائمة لدعم الصادرات واستحداث برامج تحفيزية جديدة وحملات ترويجية تتوجه نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والتي تتمتع بنسب متدنية من الاستثمار إلى القيمة المضافة الناجمة عنه.
ثالثاً، إن متطلبات النمو الاقتصادي المرتفع تقتضي تأمين تحسن تدريجي للبنى التحتية الأساسية وذلك لملاقاة متطلبات هكذا نمو. إذ يحتاج لبنان إلى معالجة الوهن الناشئ في البنى التحتية الأساسية، مع احتياجات لاستثمارات مهمّة في قطاعات عدة مثل الطاقة والنقل والاتصالات والمواصلات والمياه. فالمطلوب أن تتضاعف نسبة الإنفاق الاستثماري إلى الناتج الإجمالي من ما يقلّ عن 2% لتصل إلى أكثر من 4% في الأفق، وهي تبقى أقل من متوسط الأسواق الناشئة والبالغ 6%. إن التحدي الأساسي الذي يواجه الحكومة في هذا المجال يكمن في تأمين حاجات البنى التحتية الأساسية دون أن تؤثر سلباً على وضعية المالية العامة في البلاد، من هنا يشكل نجاح برنامج الاستثمار العام (
CIP) مفتاحاً أساسياً على هذا الصعيد.
ما سيكون دور الجهات الدوليّة، الدول كما المنظمات الدوليّة، في تخفيف وطأة الأزمات، وبموجب أيّ شروط؟
سيقع على عاتق أعضاء الأسرة الدوليّة، بما يشمل الدول والمنظمات الدوليّة والمؤسّسات الماليّة، الاضطلاع بدورٍ أساسيّ في الحدّ من الضغوطات الماكرو اقتصادية. فعلى الصعيد السياسيّ، يمكن للقوى العالميّة والإقليمية الاقليميّة، ولا سيّما منها الحكومات، ومنظمة الأمم المتّحدة، وجامعة الدول العربيّة، أن تمارس تأثيرها وتوفّر الأمان السياسي والدبلوماسيّ الّذي من شأنه أن يشكّل أساسًا لخطّ المسار نحو النهوض الاقتصادي. ويمكن للدبلوماسيّة الرفيعة المستوى أن تساعد على تقريب وجهات النظر فيما خصّ الحاجة إلى ضمان استقرار البلد ولا سيّما على ضوء التواجد الكثيف للاجئين السوريّين في لبنان. ولطالما أبدى المجتمع الدولي مساندته للاقتصاد اللبنانيّ، ولديه الآن أسباب إضافيّة للاستمرار في مدّ البلد بهذا الدعم، لأنّ أيّ تزعزعٍ للاستقرار في لبنان قد يدفع باللاجئين إلى التوافد بأعدادٍ كبيرة باتجاه حدود بلدان أخرى في العالم. أمّا على الصعيد الاقتصادي والمالي، يمكن لهذه الدول أن تساعد من خلال تقديم المنح أو القروض للبنان. ومن شأن المنظمات الدوليّة المرجعيّة والمؤسّسات الماليّة مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدوليّ، ومؤسّسة التمويل الدوليّة، وصناديق أخرى شتّى، أن تشارك وتساعد في جذب الأموال باتجاه للبنان، من خلال الإفراج عن المليارات من الدولارات حيثما دعت الحاجة، وتخصيصها ربّما لمشاريع محدّدة. ومن شأن الضغط السياسي والدعم المالي الرفيع المستوى أنّ يشجّعا أيضًا مصارف الاستثمار العالميّة الكبرى على زيادة مشاركتها على الساحة اللبنانيّة. أخيرًا وليس آخرًا، يبقى الانتشار الّلبناني المغترب الغني والمتنوّع جغرافيًّا قادرًا على تقديم الدعم، ولا سيّما في الأوقات العصيبة، وتحويل أموال اللبنانيين في الخارج نحو أهلهم في بلدهم الأم.