May 03, 2016حول استعادة المساحة العامة والعمل المحلي
مقابلة مع السيد محمد أيوب، المدير التنفيذي لجمعية "نحن" التي تعنى بالمساحات العامة في لبنان ومنها البلديات التي تشكل إحدى أهم مساحات إلتقاء المواطنين للعمل من أجل مدينتهم أو قريتهم.
جزء من سلسلة مقابلات مع المعنيين بالشأن المحلي ينشرها المركز اللبناني للدراسات كمساهمة منه في تفعيل النقاش حول التنمية المحلية.
أخبرنا عن تجربة جمعية "نحن" في السعي لفتح حرش بيروت أمام الجمهور، وكيف تم التعامل مع السلطة المحلية لتحقيق ذلك؟
المساحة العامة هي المكان الذي يتشكّل فيه الانتماء إلى البلدة ويتعزز فيه التماسك الاجتماعي. ففيه تتم المناقشات والمصالحات والاتفاق على القرارات المشتركة. انتلاقاً من وعينا لذلك الأمر، بدأنا كمجموعة من الشابات والشباب البحث عن مساحة عامة في العاصمة بيروت تحقق لنا الأهداف المذكورة أعلاه وتشكل متنفساً لسكان بيروت وقاصديها وأولادهم. فوجدنا أن أهم مساحة عامة خضراء في المدينة هي حرش بيروت الذي ينتمي إلى أملاك البلدية العامة والذي كان مغلقاً أمام المواطنين لفترة طويلة جداً بحيث كان الكثيرون منهم يجهلون حتى وجوده. كما وأظهرت لنا مجموعات التركيز التي أجريناها في تلك الفترة عدم إدراك المواطنين لمفهوم المساحات العامة وكونها حاجة وحق لهم، مما أدى غالباً إلى تآكل المساحات العامة الموجودة في المدينة. فكانت أولى خطواتنا تدريب 25 صبيةً وشاباً على مفهوم وأدوات المناصرة ومن ثم وضع خطة عمل للمطالبة بفتح حرش بيروت أمام الجمهور. فقمنا بمبادرات لرفع الوعي حول الموضوع في المدارس، والجامعات، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال الكتابة على جدران المدينة (
graffiti). كان تبرير البلدية لعدم فتح الحرش نابع من النظرة السلبية التي تكّنها للمواطن الذي اعتبرته غير أهل لاستعمال المساحات العامة بحيث قد يحدث لها الضرر من خلال عدم محافظته على النظافة العامة وافتعال الاشتباكات الطائفية. كما وتحججت البلدية بعدم توفر الموارد البشرية والمادية التي تمكّنها من فتح الحرش أمام الجمهور. فما كان أمام جمعية "نحن" سوى تقديم "خارطة طريق" تتضمن الإجابات والحلول لكافة مخاوف واعتراضات البلدية لتمكينها من فتح الحرش. وأمام مماطلة البلدية في اتخاذ قرار الفتح لجأت الجمعية إلى مجموعة من الخطوات، منها الاعتصام أمام الحرش، وتنظيم نزهات على الأرصفة في مختلف أنحاء المدينة كخطوة رمزية للتذكير بأهمية المساحات الخضراء العامة. وفي خطوة جريئة، ألزمت الجمعية رئيس بلدية بيروت على المشاركة في لقاء مع سكان المدينة عام 2013 من خلال وضع إسمه على الدعوة إلى اللقاء قبل أخذ موافقته على ذلك، حيث اضطر على الوعد بفتح الحرش أمام إصرار المشاركين والحجج المضاضة التي تقدموا بها. وأمام مماطلة البلدية في تفعيل القرار أنذرت الجمعية بإمكانية اللجوء إلى مجلس شورة الدولة لربط النزاع. ولدى تعيين القاضي زياد شبيب محافظاً لمدينة بيروت تم الوعد بفتح الحرش في الخامس من أيلول 2016.
يكمن التحدي اليوم في العمل على دفع البلدية لتأمين مستلزمات فتح الحرش من موازنتها الغنية ومواردها البشرية التي تفوق الثلاثة آلاف موظف، والسعي لعدم السماح لها بصرف الأموال العامة على التعاقد مع شركات خاصة لإدارة الحرش لدى فتحه. والجمعية تقوم حالياً بتخصيص مئة متطوع في كل يوم يفتح فيه الحرش أمام الجمهور لقطع الطريق أمام حجج عدم إمكانية فتحه.
وننوه هنا أن لدى الجمعية انجازات أخرى في مجال المحافظة على المساحات العامة بقيت بعيدة عن التغطية الإعلامية، منها الإضاءة على وجود حديقة عامة في منطقة الرملة البيضاء حيث تم وضع مخطط رئيسي لترميمها، كما وقمنا بإلزام القضاء بالتراجع عن قرار إغلاق المسبح الشعبي في الرملة البيضاء بعد سبعة أيام على إصداره.
تشددون دوماً على أهمية تعزيز الشفافية على مستوى العمل البلدي. ما هي مبادراتكم في هذا المجال؟
الشفافية هي الحد الأدنى من تقديم الخدمات. ولقد لاحظنا كجمعية أن غالبية البلديات في لبنان لا تسعى إلى مشاركة المعلوات حول مشاريعها وموازناتها وقراراتها مع السكان، بحيث لا يمكن لهؤلاء فهم ما تقوم به السلطة المحلية ولا محاسبتها في حال عدم إلتزامها بما وعدت بتحقيقه أو في حال سوء استعمال السلطة والأموال العامة. لذلك لجأنا إلى تنظيم حملة توعية تهدف إلى الإطلاع على أهمية السلطة المحلية وماهية صلاحياتها ومهامها وتشجيع البلديات على نشر المعلومات عبر إنشاء مواقع الكترونية.
الحملة بدأت في أربعة عشر بلدية تم انتقاءها عل أساس الحجم والواردات والتنوع الطائفي، منها بيروت وجبيل وطرابلس وصور وعاليه... ونحن نسعى اليوم إلى إستصدار تعميم من قبل وزارة الداخلية والبلديات يطلب من البلديات إنشاء مواقع الكترونية لنشر المعلومات حول أعمالها وميزانياتها. يبقى التعميم إجراءً مستحباً، لكنه غير ملزِم. غير أن بعض البلديات كبلدية جبيل على سبيل المثال قد باشر بعملية نشر المعلومات واعتماد الشفافية.
هناك حاجة كبيرة لبناء القدرات على المستوى المحلي. هل لكم مبادرات أخرى في هذا المجال ؟
من خلال عملنا مع البلديات أدركنا حجم عدم دراية المواطنين وفي غالبية الأحيان أعضاء المجالس المحلية والموظفين البلديين بالقانون البلدي وبصلاحيات وواجبات البلدية. من هنا قررت جمعية "نحن" تنظيم دورات تدريبية على القانون البلدي، خاصةً وأن الوحدة المولجة بهذه المهمة في وزارة الداخلية والبلديات لا تملك الكادر البشري للقيام بهذه المهمة لما يفوق الألف بلدية في لبنان.
كما وتعمل الجمعية على مساعدة البلديات على وضع خطط عمل مبنية على دراسات الحاجات ووضع الأولويات والموازنات على أساسها. وتسعى الجمعية إلى تنظيم لقاءات ما بين المجالس البلدية والسكان المحليين لعرض ومناقشة هذه الخطط والموازنات المرتبطة بها، كما والتحديات التي تواجهها البلدية. تساهم هذه الخطوة في خلق بلديات أكثر تشاركية وفي كسر الحاجز ما بين السلطة المحلية والسكان. بدأ العمل في عدة بلديات، منها بعلبك والشياح والدكوانة وغيرها، وسوف يتابع في أربعة عشر بلدية في المرحلة الأولى.
قامت جمعيتكم بمبادرة لإجراء تحسينات في منطقة طريق الجديدة غير أن الأمر انتهى بوقفكم عن العمل فيها. هل بإمكانكم شرح ملابسات القضية؟
انتقينا منطقة طريق الجديدة لأنها إحدى المناطق الأكثر فقراً في بيروت، كما أنها منطقة ذات تأثير سياسي كبير، إضافةً إلى كونها ما زالت تحتفظ بالملامح القديمة لبيروت في عمرانها وعادات سكانها. فقمنا بتدريب ثلاثون صبيةً وشاباً للقيام بدراسة اجتماعية ومدينية للمنطقة، كما وحددنا مشاكلها وامكانياتها. فمن بين المشاكل التي تعاني منها المنطقة السير الكثيف، وقمنا باقراح حل لهذه الآفة. مشكلة أخرى تتمثل بالنظرة السلبية للمنطقة والصور النمطية المتعلقة بها. فقررنا العمل على تصحيح ذلك ونزع الصورة السيئة عن أحد أقدم أحياء بيروت من خلال نوعين من التدخل: الثقافي والمادي. على الصعيد الثقافي، قمنا بوضع خريطة للمعالم الأساسية للمنطقة مترافقة مع شرح لتاريخها وأهميتها، كما وأجرينا مجموعة من المقابلات مع كبار السن وأصحاب المصالح والمحال لتسليط الضوء على هذه المنطقة وتاريخها العريق. على الصعيد المادي، رأينا أن معظم أحياء بيروت تشكّل "جزراً" معزولة بعضها عن البعض وما من محور يجمع بينها. فحتى حرش بيروت معزول عن محيطه. والطريق الوحيد لربط الحرش بطريق الجديدة هو من خلال شارع مكاوي. لذا قررنا أن نجعل منه ممراً أخضراً. فأخذنا موافقة المحافظ لزرع الأشجار على حافتيه ووضع المقاعد التي يمكن للمشاة الاستراحة عليها. غير أن رئيس بلدية بيروت، الذي هو إبن منطقة طريق الجديدة، إعتبر ذلك تدخلاً في منطقته وطلب إزالة المقاعد ووقف عمل الجمعية في المنطقة -والذي كان قد استغرق خمسة أشهر من الجهد- وذلك من دون أي مصوغ قانوني. ونحن اليوم بانتظار حصول الانتخابات البلدية القادمة في شهر أيار المقبل لاستئناف عملنا في ظل مجلس بلدي جديد.
نهايةً، ما هي أهم الدروس المستقاة من عملكم في مجال المناصرة؟
ما زالت جمعية "نحن" تتعلم من مسيرتها العملية ومختلف مبادرات المناصرة التي تقوم بها. لكن يمكن القول أن أهم إنجازاتنا يتمثل بوضع موضوع المساحات العامة على الأجندة في لبنان. فهذا الموضوع المهم قد أصبح اليوم على أجندة الإعلام والناس، كما والمانحين الدوليين. من ناحية أخرى، نحن نعتبر أن وصفة نجاح مبادراتنا والتأييد الواسع التي تحظى به هو كونها مبنية على العناصر التالية وبالتسلسل المعروض: إجراء الدراسات، التدريب على المهام، وضع خطط العمل، ومن ثم التنفيذ. فلغة القانون والدراسات هي التي تنجح برأينا، بعكس لغة الشارع غير المنظم.
إعداد رانيا أبي حبيب.