August 28, 2015نداء الأرض: مبادرة محلية لإدارة النفاياتفي ظل أزمة النفايات المستمرة في لبنان، أجرى المركز اللبناني للدراسات مقابلة مع السيّدة دارين فرحات من جمعية نداء الأرض وذلك لتسليط الضوء على مبادرة رائدة في مجال فرز وتدوير النفايات في قرية عربصليم بدأت منذ 20 عاماً ولا زالت مستمرة بفضل مثابرة وقناعة القيمين عليها. فمنذ ذلك الحين تخطت عربصليم أزمة النفايات حيث اقتنع سكانها بضرورة فرز النفايات كما وتمكنوا من جذب دعم المجتمع الدولي لمبادرتهم المحلية. نأمل من خلال الاضاءة على هذه المبادرة تشجيع صناع القرار على اتخاذ الدروس من قدرة المجتمع المدني على تحقيق التغيير ودعم وتعميم المبادرات المماثلة.
لماذا ومتى بدأتم بمشروع إعادة التدوير في قرية عربصليم؟
كوَّنت السيدة زينب مقلّد جمعية نداء الأرض عام 1998 مع مجموعة صغيرة من سيدات قرية عربصليم وأوجدن حلاً عملياً لمشكلة النفايات في القرية بعد أن كانت قد تفاقمت لدرجة لا تحتمل بسبب عدم وجود بلدية فاعلة في القرية في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي. وجدت السيدة مقلّد في ذلك الوقت أن اطلاع سيدات القرية على ضرورة حماية الطبيعة من حولهن وأهمية إعادة التدوير هي الطريقة الأفضل لتحقيق أهداف الجمعية. فكانت تجوب البيوت في بدايات عمل الجمعية، وتتكفل بنشر التوعية. وقد قامت الجمعية بتقسيم القرية إلى قطاعات وشوارع سهّلت حملات التوعية وعمليات نقل النفايات المفرزة إلى معامل إعادة التصنيع الموزعة في القرى الجنوبية المجاورة.
كيف يتم التعاون على فرز وإعادة تدوير النفايات؟
تعمل جمعية نداء الأرض من منطلق فرز النفايات عند المصدر ويشارك في عملية فرز النفايات ٧٠ بالمئة من سكان القرية. هذا الفرز داخل المنازل يقسّم النفايات بين البلاستيك والزجاج والمعادن والمواد العضوية، مما يقلل تلقائياً من كمية النفايات الصادرة عن كل بيت. تبدأ عملية إعادة التدوير في المنزل حيث توضع النفايات، ما عدا المواد العضوية منها، في براميل خاصة وفرتها الجمعية، ويجري تحميل هذه النفايات الصلبة إلى المفرزة، ومن ثم تباع إلى المصانع لإعادة تدويرها بمعدل مرتين شهرياً.
هل تتعاونون مع جهات خاصة أو عامة وكيف يتم تمويل مشروعكم؟
موّلت السيدة مقلّد جمعية نداء الأرض في المرحلة الأولى بينما كانت الجمعية تتواصل مع الجهات المختصة. ثم نجحت الجمعية بتلقي بعض المساعدات الدولية، فساهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (
UNDP) خلال سنوات الجمعية الأولى بمبلغ يناهز العشرين ألف دولار أمريكي. وبنت السفارة الإيطالية مركز لفرز النفايات في القرية مما سهّل عمل الجمعية وحياة السكان. ساهمت أيضاً السفارة الألمانية ووفرت مولد كهربائي للمركز. وكان هناك مبادرة من أحد السكان الذي قام بصنع آلة محلية لتقطيع البلاستيك بكلفة زهيدة، فساعد بذلك الجمعية على تخطي محنة ضياع مبلغ من المال فور وصوله إلى لبنان كانت قد أرسلته جهة دولية لشراء الآلة. ومنذ ذلك الوقت اعتمدت الجمعية على عمل المتطوعين فقط كما وتحصّل بعض الإيرادات من بيع النفايات المفرزة إلى مصانع إعادة التصنيع.
كان دور البلدية ضعيف سابقاً لأسبابٍ عدّة مثل سوء الإدارة، والوضع المادي المتردي، والمحسوبيات السياسية والحزبية
، وحتى عدم وجود شخصيات مهتمة بتحسين الوضع العام، مما صعّب عمل الجمعية
. لكن رغم ذلك، قامت البلدية بتوفير قطعة الأرض التي تم بناء مركز فرز النفايات عليها كما وساهمت مؤخراً بنشر عدد أكبر من البراميل أمام المنازل للمشاركة بعملية الفرز وإعادة التدوير. ويوجد اليوم تعاون أوثق بين الجمعية والبلدية والمحافظة من أجل تطوير عمل الجمعية. يأتي هذا الانفتاح نتيجةً لأزمة النفايات الراهنة في لبنان. ذلك أن مساندة عمل الجمعية وتنظيمه على المستوى البلدي سوف يعدّ إنجازاً عملياً وسياسياًّ للبلدية فتكون قد وفرت حلاًّ عملياً يمكن اعتماده في المناطق اللبنانية المختلفة.
ما هي أبرز التحديات التي واجهتكم؟
أبرز التحديات التي واجهتها جمعية نداء الأرض هو غياب الإستقرار الأمني في القرية في ظل التهديد الإسرائيلي الدائم. وقد واجهت الجمعية تحدي هجرة السكان مع كل خضّة أمنية وضرورة البدء من الصفر في كل مرة. وكانت أفضل وسيلة لبث روح المثابرة من خلال استكمال حملات التوعية وتشجيع السكان على عدم الاستسلام. التحدي الثاني هو عدم وجود العنصر الشبابي لتقوية عمل الجمعية، وهي تعمل اليوم على استقطاب الشباب من أجل إكمال وتحديث أهدافها. أما التحدي الثالث فيتمثل بزيادة عدد السكان داخل عربصليم نتيجة النزوح السوري، مما أعاق عملية التواصل والتوعية المتوازية مع السكان كافةً، بالإضافة إلى أن عدد عمال تحميل النفايات أصبح ضئيلاً بالنسبة لعدد المنازل.
ما هي برأيكم شروط نجاح مبادرة كالتي تقومون بها؟
هدف المبادرة بسيط وواضح وهو محاولة إيجاد حلٍّ عملي لمشكلة تراكم النفايات التي تواجهها مختلف المناطق اللبنانية. على بلدياتنا تخطي عقبات عدة تتعلق بسوء الإدارة، وقلّة التمويل، وعدم وجود التوعية البيئية اللازمة، وتفشي المحسوبيات السياسية والطائفية وانعدام الأمن عموماً. لكن رغم الإختلافات الكثيرة في المجتمع اللبناني، تبقى البيئة عاملٌ مشترك بين اللبنانيين، ويجب القيام بحملات لتوعية الناس على ذلك. كما يجب اعتماد مقاربة من أعلى إلى أسفل لتسهيل المبادرات كالتي نقوم بها. وهنا يكمن دور الدولة التي بإمكانها التمثل بما تمكنت الجمعية من القيام به وتعميمه على مستوى لبنان ككل. كما على السلطات إقرار قوانين أكثر صرامة والعمل على إنفاذ قوانين حماية البيئة. كما عليها العمل على تعميم الثقافة البيئية وتوعية المواطنين حول الطرق الآمنة للتخلص من النفايات. وعلى البلديات، بمساعدة من الأحزاب السياسية الفاعلة في المناطق، القيام بحملات توعية بيئية وطلب الدعم المادي من الحكومة المركزية. يمكن تخصيص التمويل لتوزيع براميل فرز النفايات في مختلف الأحياء وتوظيف مراقبين بيئيين يهتمون بمتابعة عملية الفرز عن كثب ومساعدة الناس على تطبيقها. ويبقى العامل الأهم، والذي شكل نجاح مبادرتنا، التوعية المستمرة، فحين توجد القناعة يصبح أي تغيير سلوكي ممكن.
أجرت المقابلة نور حجازي وزينة حوا.