June 04, 2015ضرورة تغيير الذهنية نحو المأسسة في العمل المحلي
مقابلة مع المهندسة نهى الغصيني، رئيسة بلدية بعقلين واتحاد بلديات الشوف-السويجاني
جزء من سلسلة مقابلات مع المعنيين بالشأن المحلي ينشرها المركز اللبناني للدراسات كمساهمة منه في تفعيل النقاش حول التنمية المحلية.
1.
ما هي أبرز إنجازاتكم على صعيد بلدية بعقلين؟
نفذت البلدية عدداً من المشاريع الصحية والبيئية والإعمارية، كمشروع تحسين مداخل البلدة والطرقات الرئيسية. كما قامت بمسح شامل للمباني القديمة وللمعالم الأثرية والطبيعية في البلدة بغية إعداد مشروع تجميلي لها، بالإضافة إلى التحضير لتنفيذ مشروع تجميل السوق القديم وإلحاقه بالمعالم الأثرية والتراثية الموجودة في وسط البلدة. كما قامت البلدية بتحويل عدد من المباني الأثرية إلى معالم سياحية بيئية. ولم تقتصر نشاطات البلدية على العمارة ، بل كان للزراعة على سبيل المثال حيّزاً في نشاطات واهتمامات البلدية، إذ قمنا بمشاريع لتنشيط هذا القطاع كإنشاء مركز للإرشاد الزراعي وآخر للتصنيع الزراعي، بالإضافة إلى إنشاء مركز لدراسة السوق المحلية والوطنية والدولية وذلك من أجل تحسين جودة المنتوجات و تصريف الإنتاج الزراعي.
2. هل كان عملكم الإنمائي مبني على خطة استراتيجية؟
بالطبع، لو لم نقم بوضع خطّة استراتيجية واحدة لبلدية بعقلين و الاتحاد، كوني رئيسة المؤسستين، لما استطعنا تخطيط وتنفيذ معظم المشاريع. بدايةً، قمت بصياغة مسودة خطة تلحظ الأخطاء التي كانت موجودة في العام ١٩٧٠، وعرضتها للنقاش على المجلسين البلدي والاتحادي انطلاقاً من مبدأ المشاركة، ومن ثم تمّ عرضها ومناقشتها مع أبناء البلدة عبر كتيّب تم توزيعه يعكس تطلّعاتنا الاستراتيجية للمنطقة. وتقوم هذه الخطة على مخطط توجيهيّ يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي طرأت على أرض الواقع، كتصنيف الأراضي في العام ٢٠٠٥. في هذا الإطار، أستطيع القول أن ما زرعناه في المنطقة من تخطيط وإقامة مشاريع في العام ٢٠٠٤ نحصده اليوم، دون إغفال وجود عدد من المشاكل والعراقيل.
3. صرحت في إحدى المقابلات أنك تهدفين الى تغيير ذهنية الناس نحو اعتماد مبدأ المأسسة. ماذا تعنين؟ وهل تحقق ذلك؟
ما يزال مبدأ المأسسة غريباً في ذهنية وثقافة المواطنين لعدة اعتبارات منها استمرار تحكّم العائلية في الشأن العام، وغياب مبدأ المحاسبة. فالمجالس البلدية ما تزال تركّب حتى يومنا هذا وفقاً للانتماء للعائلي والطائفي، إذ تقوم العائلات الكبيرة في البلدات باختيار من يمثّلها تبعاً لإمكانياته المادية والاجتماعية وليس عبر اعتماد مبدأ الكفاءة. من هنا، أعتقد أن المأسسة هي حلم يجب العمل على تحقيقه عبر التوجّه للشباب والأطفال في المدارس أوّلاً، وتوجيههم بالشكل الصحيح. على سبيل المثال، حصلنا كبلدية على تمويل مشروع من الاتحاد الأوروبي لبناء مفهوم الديموقراطية التشاركية وقبول الآخر عند الشباب. غير أن غياب المشاركة الشبابية وسيطرة هاجس تأمين لقمة العيش وازدياد نسبة الهجرة، يدفعني للسؤال عمّا نقدّمه للشباب قبل أن نطلب منهم القيام بواجباتهم تجاه منطقتهم أو وطنهم.
4. صرحت في أكثر من مقابلة أنك تدينين للنائب والوزير وليد جنبلاط في دعمك للوصول إلى رئاسة البلدية ورئاسة الاتحاد. برأيك، هل الدعم السياسي شرطا أو ممرّا إلزاميّا للوصول إلى المراكز والمناصب؟ هل نتج عن ذلك نوع من ولاء للجهة السياسية وتقديم مطالبها على المصلحة العامة؟
أنا أدين لوليد جنبلاط بتبوئي رئاسة البلدية والاتحاد دون أي خجل. وليد جنبلاط إنسان يخاطب عقلي، ولا يخاطبني كإبنة الغصيني أو كعضو في الحزب التقدمي الاشتراكي. إن وجود ٣ نساء في رئاسة البلديات في منطقة الشوف من أصل ٦ على مستوى لبنان إنمّا يدلّ على شخصية متطلعة ومتقدمة لرجل غير عاديّ. فلقد استطاع إحداث تغيير في عقلية الناس وإقناعهم بي، وبالأخص اقناع عائلتي التقليدية لخوض غمار هذه التجربة. هذا الدعم الذي قدمه لي بالإضافة إلى توق الناس للتغيير بعد ٣٥ عاماً من غياب العمل البلدي، ساهم في نجاحي وبحصولي على أعلى نسبة أصوات في الانتخابات، علماً أنني إمرأة ولا أنتمي إلى العائلات التقليدية والإقطاعية الكبيرة في بعقلين. وهنا تجدر الأشارة، إلى أن ارتباطي البيئي ببعقلين من خلال القيام بمشاريع بيئية عدة، قد سمح للناس بالتعرف إليّ أكثر. بالنسبة لي، الموقع ليس مهمّاً بقدر امتلاك القدرة على التحرك، وأهل بعقلين لم يخذلوني في دعمهم لي حتى يومنا هذا.
5. كيف استطعت توظيف العلاقة السياسية كمحفّز لخدمة الشأن العام وتنفيذ المشاريع؟ هل تتعرضين لضغوطات سياسية لتمرير المصالح الشخصية أو الحزبية؟
لا أتصوّر أن وليد بك يميّز بيني وبين أي رئيس بلدية آخر، و هويعلم طريقة تفكيري، لذا دائماً ما يتدخّل عند الحاجة لصالح قراري وليس لصالح من يخالف أو لصالح أي شخصية نافذة. هنا تجدر الإشارة، إلى أن هاجس وليد بك بالموضوع البيئي أعطانا هامشاً من حرية التحرك.
6. بشكل عام، هل تؤيدين تدخّل السياسة في الشأن العام؟
للإجابة على هذا السؤال، سأعطي مثالاً بعيداً عن منطقتنا. كلّنا نعلم أن "حزب الله" يتدخّل في العمل البلدي في الجنوب، غير أن هذا التدخّل قد أثبت فاعليته ذلك أن الحزب يقوم بدعم رئيس البلدية ويساعده ولا يقف عائقاً أمامه. من هنا، أعتقد أن مقولة أن عمل البلديات هو تنمويّاً بحتاً وبعيداً عن السياسة هي خطأ شائع، ذلك أن السياسة هي لخدمة الناس، والسياسي هو لخدمة الناس. لذا، لا أوافق على هذا الفصل، فالعمل التنموي هو في النهاية سياسي، طالما أن هذا التدخل يكون بشكل منظّم ويهدف لمساعدة الناس. أمّا في بعقلين، وخلافاً لما يظنّه الناس، لا يتدخل وليد بك في عملنا بشكل تفصيليّ. بالطبع، يلجأ الناس إليه، لكن كما أشرت سابقاً هو يحترم فكرنا ويراقب عملنا عن بعد ويحترم حريّتنا في العمل، ويتدخّل لصالحنا في حال واجهنا مشكلة. فالمهمّ هو النتيجة.
7. صرحت في أكثر من مقابلة أنكم تعانون في البلدية/ الاتحاد من نقص في الموارد المالية. كيف يتمّ تمويل مشاريعكم الإنمائية؟
تعتبر مشكلة الموارد المالية العائق الأكبر في عملنا البلدي. لذا، نعتمد بشكل كبير على الهبات الأوروبية وبالأخص من الاتحاد الأوروبي لا سيما أننا لا نستطيع الاقتراض من المصارف. إضافةً إلى ذلك، ثمّة خلل واضح في توزيع الموارد المالية من قبل وزارة الداخلية على البلديات والاتحادات. ويكمن الخلل الكبير في توزيع العائدات على الاتحادات وفقاً لعدد البلديات الأعضاء، إذ من الممكن أن يتألف اتحاد بلديات من عدد كبير من البلديات لكن عدد السكان فيها قليل وبالتالي الاحتياجات قليلة، في حين قد يضمّ اتحاد بلديات، كاتحادنا، على عدد صغير من البلديات، غير أن نسبة السكان فيها كبير جداً. هذا الخلل في العملية الحسابية، يؤدي إلى سوء توزيع للموارد المالية بحيث قد تحصل بلدية على مبلغ يفوق المبلغ الذي يحصل عليه اتحاد بلديات وهو أمر غير منطقيّ.
8. هل بإمكانك اطلاعنا أكثر على ماهية المشاريع التي تنجزونها بتمويل دولي؟
الشكر الكبير هو للاتحاد الأوروبي الذي يعمل مع مؤسسات المجتمع المدني في لبنان بشكل دقيق لتأمين احتياجاتنا. حالياً، نعمل مع الاتحاد الأوروبي على ثلاثة مشاريع، هي: مشروع الديموقراطية التشاركية، ومشروع استخدام الطاقة المستدامة في البلدية، ومشروع إحياء السياحة البيئية خارج المواسم السياحية الذي حصلنا عليه نحن وبلدية بعلبك كبلديتين في لبنان من ضمن ٤ دول في حوض المتوسط، هي بالإضافة إلى لبنان تونس وإسبانيا وإيطاليا.
كما نتعاون حالياً، بتمويل أوروبيّ، مع البلديات التي تستخدم الطاقة المستدامة، خاصة أن الدولة اللبنانية تعهدت بتخفيض ١٢٪ من الانبعاثات الحرارية في العام 2020، وهو ما نعمل على تحقيقه في بلدية بعقلين انطلاقاً من مشاركتنا في الميثاق الدولي حول الطاقة. كما نعمل على مشروع مع المجتمع المدني حول مبدأ المشاركة يتمّ من خلال لجان الأحياء. هنا، يشكّل دعم الاتحاد الأوروبي لنا دافعا مادياً ومعنوياً للمضيّ في تحقيق تطلعاتنا، لا سيما في ما يخص مشروع لجان الأحياء، لأنه يعدّ من المشاريع الفريدة في لبنان.
9. هل تؤيدين أن يقوم المجتمع المدني بممارسة دوراً رقابيّاً على البلديات؟
أنا أؤيد هذا الأمر، وأدعو أن لا يقتصر دوره فقط على الرقابة، بل أن يشارك أيضاً في العمل البلدي. تجدر الأشارة، إلى أننا في بلدية بعقلين، نقوم من ضمن خططنا على تحفيز المرأة لخوض غمار انتخابات العام ٢٠١٧، كما نحفّز الشباب لكي يقوموا بدورهم الطبيعيّ، وهو الاهتمام بالشؤون المحليّة.
10. كيف تصفين علاقتكم مع مؤسسات القطاع العام لا سيما أتك صرحت في أكثر من مقابلة عن اعتراضات ومطالبات في عدد من الأمور كموضوع معالجة النفايات والصندوق البلدي المستقل؟
تجمعني علاقة جيدة على الصعيد المحلي مع مؤسسات الدولة، لكن الأمر يختلف على صعيد الوزارات، حيث أنه وبالرغم من العلاقة الشخصية الطيبة التي تجمعني مع القيّمين عليها، غير أن مشكلة معالجة النفايات التي نعاني منها تعقد هذه العلاقة. وهنا أسأل: إلى أي مدى سنظل شهود زور، فما يحصل هو سرقة مشرّعة لأموالنا. أما الصندوق البلدي المستقلّ فحدث ولا حرج، إذ ليس من الطبيعي أن لا يتواجد فيه رقم حساب مثلاً.
11. نعلم أنك مع تطبيق اللامركزية الموسعة وكونك شاركت في صياغة مسودة مشروع قانون اللامركزية في عام ٢٠١٤، هل بإمكانك مشاركتنا بوجهة نظرك حول الموضوع؟
من المهم جداً تطبيق اللامركزية الإدارية شرط أن يكون لدينا دولة قوية. أنا أؤمن بهذا المشروع الذي عملنا عليه لتحقيق طموحنا بلبنان الذي نحلم به، لكني أخاف أيضاً من موضوع الفدرالية. في حال اعتمد القانون كما نصّ عليه في مسودة مشروع اللامركزية الإدارية الذي قدمناه، قد يتبدّد هاجس الفدرالية الذي يهدف إلى تحقيقها عدد من الأطراف، لكن إذا تمّ تشويه القانون، فالخوف يصبح مشروعاً. بعض الأصدقاء، كرئيس بلدية بيروت وعدد من أعضائها، قد أبدوا تحفظاتهم على مسودة مشروع القانون، في حين أنّه يحلّ مشكلتهم. فهل من الطبيعي أن لا يتمتع رئيس بلدية العاصمة بسلطة تنفيذية؟ مشروع القانون يحلّ مسألة الطائفية في بيروت، في حين يرمي البعض بالحجارة عليه دون الخوض في تفاصيله.
نحن نعيش في دولة مركزية، لا نعلم كيف تصرف أموالنا فيها. فتجربتنا مع دولة مركزية فالتة، تجعل من اللامركزية الحلّ الوحيد، ويبقى العمل كما أشرت على كيفية اعتماد آلية تحمي مشروع القانون من التشويه ، علماً أننا نعيش في زمن أصبح فيه الزعماء أكبر من الدولة.
إعداد: حياة الحريري