January 29, 2015أهمية الخطة الاستراتيجية والرؤيا الواضحة لتحقيق التنمية المحلية
مقابلة مع السيد خليل حرفوش، رئيس إتحاد بلديات جزين
جزء من سلسلة مقابلات مع المعنيين بالشأن المحلي ينشرها المركز اللبناني للدراسات كمساهمة منه في تفعيل النقاش حول التنمية المحلية.
1. ما هي إنجازاتكم كرئيس اتحاد؟ كيف حققتموها؟
أهم ما قمنا به كاتحاد هو تطبيق خطة استراتيجية تقوم على البحث وتحديد احتياجات المنطقة، ومن ثمّ تنفيذ المشاريع. واعتمدنا على ما يعرف بدراسة نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات
(SWOT analysis)في كلّ من القطاعات كالزراعة، والسياحة، والصناعة، والتنمية الاجتماعية وغيرها ، وبناء على النتائج تمّ تحديد طرق العلاج وسبل تنمية هذه القطاعات بتطبيق عدد من المشاريع لكلّ منها.
2. كيف تشعرون المواطن أنه معنيّ أو شريك بالأعمال التي تقومون بها؟
من خلال الاستراتيجية التي وضعناها، أعطينا دوراً للمجتمع المدني عبر إقامة حلقات حوار ودورات تدريبية مع مؤسسات المجتمع المدني ومع كلّ أصحاب المصالح كمدراء المدارس، والتعاونيات الزراعية، والمستثمرين، وغيرهم.
وقد نجحنا في جمع المستثمرين ونسج شبكة علاقات معهم، وأنشأنا ثلاث شركات خاصة. على سبيل المثال، نفذت إحدى هذه الشركات، وهي تدعى
Knee Roots مشروع "بيت الغابة" وقامت بتقديم مليون ونصف دولار وهو مبلغ يفوق ما قدمناه من تمويل وهي الآن تدير المشروع. ويكمن التحدي الأكبر في إقناع المستثمرين من أبناء جزين بأن يؤمنوا ببلدتهم.
3. إن جزءاً أساسياً من خطتكم يقضي بإشراك القطاع الخاص في المشاريع الإنمائية. ما أهمية إشراك هذا القطاع؟
تكمن أهمية القطاع الخاص في قدرته على توفير السيولة، واختيارنا للشركات الخاصة كان مدروساً، فجزء من خطتنا كان أولاً اختيار أبناء جزين وثانياً اختيار أولئك الذين يرفضون سياسة الاحتكار من بينهم. كان ينقص هؤلاء المؤمنون ببلدتهم من يجمعهم ومن يضع لهم سياسة إنمائية واضحة، ويقنعهم بأن استثماراتهم لن تكون خاسرة بل هي من أجل إنماء بلدتهم.
4. ألا تخشون أن يؤدي تعاملكم مع أصحاب الأموال إلى تشكيل محسوبيات أو حصول تعدّيات؟
من أهم مميزات الشركات التي نتعاون معها هي أن المستثمرين فيها ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة ويجمعهم فقط حبّ الأرض والمنطقة، لذا من الصعب اتهامهم بإنشاء شبكة مصالح أو احتكارات سياسية أو مالية لجهة معينة. كما أن هذه الشركات تفتح أبوابها لأي شخص يحب المساهمة، وهذا دليل إضافي على غياب المحسوبيات والاحتكارات في عملنا. ومن الصعب اتهامهم بأن هدفهم هو فقط الربح لأن النفقات أكثر بكثير من الأرباح إن وجدت. لقد نجحنا في إبعاد السياسة عن هذه الشركات، وقمنا بإشراكها في خطتنا الاستراتيجية في إطار عمل اتحاد البلديات الذي يدير ويشرف مباشرة على جميع المشاريع التي يتم تنفيذها. نحن نضع الرؤية والشروط والقطاع الخاص ينفذ. لذا هناك تكامل بين القطاعين العام والخاص.
5. كنتم سبقتم وأشرتم (خلال مداخلة في ندوة عن اللامركزية نظمها المركز اللبناني للدراسات في تموز 2014) أنكم تفتقدون إلى دعم الدولة، حتى المعنوي منه. ما هي التجارب التي أوصلتكم إلى هذا الاستنتاج؟
تفتقد مؤسسات الدولة إلى المنهجية في عملها، فهي تخضع بشكل تام للطائفية وللسياسة. على سبيل المثال، إذا دعم طرف سياسي ما رئيس اتحاد فلا أحد يحاسبه أو يتعرض له. والمشكلة تكمن في أن غالبية رؤساء البلديات ورؤساء الاتحادات يتبعون لجهة سياسية معيّنة. أيضاً، يلعب القضاء أحياناً دوراً سلبياً من خلال تدخله في بعض الأمور التي تضرّ بالمنطقة لصالح جهة سياسية معينة، ما يدفع رئيس البلدية أو رئيس الاتحاد إلى اللجوء إلى فريق سياسي ما بدل اللجوء إلى مؤسسات الدولة. فكيف نطلب إصلاح البلديات في ظل فساد المؤسسات العامة؟
من خلال عملي، أحاول خلق مؤسسة مستقلة عن التأثير السياسي، قد أنجح أحياناً وقد أفشل أحياناً أخرى، لأننا للأسف نعيش في زمن اللادولة، حيث القرارات عشوائية في ظل عدم وضوح الرؤية أو الاستراتيجية في مؤسسات الدولة. كثر يقولون لي أنه مهما حاولت القيام به من إصلاحات، سينتشر الفساد من جديد بعد انتهاء ولايتي. أنا لا أوافق على هذه المقولة لأنني بدأت العمل في الاتحاد من الصفر ولم أرثه، واعتمدت نظاماً تكنولوجياً متطوراً واضحاً ودقيقاً في الإدارة بهدف خلق أخلاقيات عمل عند الموظف تختلف عن تلك التي خبرناها في مؤسسات القطاع العام. والنجاح بعد انتهاء ولايتي، هو رهن استمرارية النظام الذي أحاول بناءه.
6. ألا تخشون أن يؤدي تعاملكم مع أصحاب الأموال إلى تحديات في مواجهة المخالفات التي قد تنشأ؟
كل يوم أواجه مخالفات، منها من فريقي السياسي، ويستغرب هؤلاء كيف أحاسب ولا أتساهل. أنا أناضل بشكل يومي، وأنجح في منع المحسوبيات. للدلالة، معظم الموظفين في البلدية لا ينتمون إلى فريقي السياسي ومعظمهم كانوا في عهد البلدية السابقة. طبعاً، قمت بتوظيف عدد آخر من نفس خطي السياسي، غير أنه أحياناً أعترف أن الآخرين يتمتعون بكفاءة أكبر، فأكافئهم، وهذا الأمر يخلق نوعاً من الانتماء للمؤسسة عند الموظف. أيضاً، وبهدف الحدّ من المحسوبيات، كل المعاملات تتم عبر نظام إلكتروني، ولا تتجاوز مدة إنجازها الثلاثة أيام.
7. ركزتم على ضرورة وجود خطة استراتيجية في العمل الإنمائي . كيف تؤمنون استمرارية هذه الخطة؟
لتأمين الاستمرارية في أي مشروع نحتاج إلى السيولة. لذا، يشكل العامل المادي أهم عقدة. بالطبع، يعتبر المستثمرون جزءاً من الحلّ غير أنهم ليسوا كل الحلّ. نحن نتبع في الوقت نفسه خطة مالية لمحاولة تأمين المستلزمات الأساسية لكي نستمر في تطبيق المشاريع حتى في ظل وجود صعوبات مادية، ونحن نعاني منها.
8. ماذا عن التمويل من جهات أخرى غير المستثمرين؟ هل باستطاعتكم الاقتراض من المصارف؟
حالياً نتعامل مع مصرف بيمو(BEMO) لتمويل عدد من المشاريع ونحن نقوم بتقسيط المبلغ لفترة تتراوح بين سبعة وثمانية سنوات. فعلى سبيل المثال، سيقوم المصرف بتمويل مشروع إنشاء متحف في جزين. فالقانون بالأساس يسمح للبلديات بالاستدانة غير أن قراراً لمجلس الوزراء منع ذلك، بسبب المخالفات التي قامت بها البلديات. في ما يخصنا، لقد توصلنا إلى صيغة قانونية تسمح للمصرف بتمويل المشروع في مقابل قيامنا بالدفع لمتعهد لمدة تقارب الثمانية سنوات وهو بدوره يتنازل للمصرف.
9. جزء كبير من مشاريعكم يتموّل من خلال مصادر دولية، مما يعني أنكم نجحتم في الحصول على ثقة الممولين الدوليين. كيف استطعتم التأسيس لهذه الثقة؟
لقد حصلنا على ثقة الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، إذ ربحنا مشروع بمليون يورو ثم ربحنا من خلال مسابقة مشروعين صغيرين لهما علاقة بالسياحة وبفرز النفايات، وتبلغ تكلفتهما ٢٠٠ ألف يورو. كما أننا نتعامل مع جمعيات في تنفيذ عدد من المشاريع.
قام الاتحاد الأوروبي بالأساس بتوزيع ٢٠ مليون يورو على مختلف الاتحادات، فاختير اتحاد بلديات جزين بالمرتبة الأولى بناءً على التجربة والفاعلية والسمعة وعلى رؤيتنا الواضحة، غير أنه تمّ تحويل المبلغ لإغاثة اللاجئين السوريين نتيجة للأزمة السورية.
10. ما أهمية إبعاد السياسة عن العمل البلدي؟ وإلى أي مدى ذلك ممكن في بلد من المعلوم فيه أن الغطاء السياسي أساسي للقيام بأي عمل ذا طابع عام ؟
يتوقّف ذلك على الشخص. بالنسبة لي، يكمن النجاح في خدمة جميع المواطنين بالتساوي وعدم الانحياز لمن ينتمي إلى فريقي السياسي. في بلدية جزين، وجهت إنذاراً إلى جميع من لا يدفعون الضرائب من دون استثناء، وقد واجهت بعض الاعتراضات بحجة أن بعضهم من الفريق السياسي الذي أنتمي إليه، غير أنني لم أبالي.
11. هل هذه الاستقلالية ممكنة حتى في حال تعارض ما تقومون به مع مصالح فريقكم السياسي؟ وهل من الممكن الفصل بين الانتماء السياسي والعمل العام في بلد مثل لبنان؟ وفي حال لم تتمتعوا بدعم أو غطاء من فريقكم، هل كنتم نجحتم كما الآن وكان لديكم حرية القرار؟
في حال عدم وجود الغطاء السياسي الذي نتمتّع به، لا أعلم حقيقة ما إذا كنت سأنجح، ومن الصعب الإجابة على هذا السؤال الكبير. قد يتوفّر الدعم السياسي لأن الشخص المعني محقّ في قراراته. أما في حال حصول تعارض في المواقف، أفضل الاستقالة على أن أخالف قناعاتي. حتى اللحظة لم أواجه أي مشكلة في هذا الإطار مع القيّمين على فريقي السياسي.
وأنا أعتقد أنه بالإمكان الفصل بين الانتماء السياسي والعمل الانمائي، ولكن كل ذلك كما أشرت مسبقاً يتوقّف على الشخص، فهو حتى لو كان وحيداً في حال كان يملك الإرادة وكان شجاعاً فإنه قادر على مواجهة كل الصعاب.
12. من المعلوم أن هناك صعوبات وضغوطات قد تلامس حدّ التهديدات. في ظلّ هذه الظروف، ما كان الدافع الأول والأساسي وراء انخراطكم في العمل البلدي؟
يتملّكني شغف وإيمان بأنني أستطيع أن أقدم شيئاً للمنطقة، وها أنا أنجح. أحب الشأن العام وأحب التواصل مع الناس. في الماضي كنت أطمح لدور سياسيّ غير أنه وبعد تجربتي الحالية، وجدت نفسي في العمل الإنمائي أكثر. هذه التجربة غنيّة جداً، وتساهم في تقوية الشخصية والقدرة على التواصل وعلى مواجهة التحديات بديبلوماسية. بالنسبة لي أهم نجاح كان موضوع الشراكة وخاصة إشراك المجتمع المدني في العمل الإنمائي.
13. بالكلام عن المجتمع المدني، هل يحرص الاتحاد على اشراكه في أعماله أو السماح له بممارسة دور رقابي على أعماله؟
المجتمع المدني شريك في خطة الإنماء. في بداية عملي، كنت أهدف إلى إنشاء جمعية، وقد جمعت عدداً من الشركات والأفراد، غير أن المجتمعين اقترحوا إنشاء شركة إنمائية لمدة ثلاثة أو أربعة سنوات من أجل جذب المستثمرين، تحت إشراف الاتحاد الذي يتميّز عمله بالشفافية، بحيث تكون أكثر فاعلية نظراً لتأمين السيولة من خلال المستثمرين. والهدف من جذبهم ومن كل هذه المشاريع هو تثبيت الناس في أرضهم وتنمية الاقتصاد من خلال السياحة والزراعة. فلقد وضعنا ٧٠ مشروعاً، تمّ تنفيذ ٤٠ منها حتى الآن.
نحن نتمنى أن يلعب المجتمع المدني دوراً رقابياً، لكن ذلك لا يتم بعد. كما ونقوم بتحضير ما يعرف "بشرعة البلديات" بالتعاون مع المجتمع المدني.
14. كان شعار حملتكم "العمل المشترك للحفاظ على الأرض". ماذا يعني هذا الشعار؟
حالياً نواجه مشكلة في جزين تتمثل في هجرة الناس من أرضهم. لذا نحن نعمل على الحدّ من هذه الهجرة، والسبيل إلى ذلك هو بجذب الناس للاستثمار في أرضهم وتأمين فرص العمل لهم فيها. من هنا، انطلقنا بهذا الشعار لجذب اهتمام الناس وخاصة المستثمرين.
15. كيف تتعاملون مع وجود نازحين سوريين في نطاق اتحادكم؟
ما يهمني بالدرجة الأولى هو العامل الإنساني، غير أن مصلحة أبناء المنطقة ترسم حدوده. هذا الموضوع حساس ويتطلب حكمة في التعاطي معه. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لم يسجّل لدينا حتى الساعة أية حادثة. قامت البلدية باتخاذ عدد من الإجرءات مثل منع تجوّل السوريين بعد الساعة الثامنة مساءً باستثناء من كان متواجداً في جزين قبل الأزمة أو من تحتّم عليه ظروف عمله العودة ليلاً. أما السوريين الذين نزحوا نتيجة الأزمة فربما تكون لديهم نيات أو استعداد للقيام بعمل تخريبي ما لذا نتعامل معهم بحذر، ومكان تواجدهم معروف. كما قمنا بمسح كل العائلات والأفراد السوريين وسجلنا كل البيانات المتعلقة بهم في البلدية، كذلك طلبنا من المتعهدين التصريح عن أسماء العمّال السوريين لديهم. كما قمت بإصدار قرارا بمنع السكن لأكثر من خمسة أشخاص في الغرفة الواحدة لأسباب صحية وأخرى لها علاقة بالبنى التحتية. طبعاً ترتكب شرطة البلدية أحياناً بعض الأخطاء لكننا نحاسب من يتجاوز صلاحياته.
16. هل أنتم على اطلاع بمسودة مشروع قانون اللامركزية الجديد الذي يدعو إلى إنشاء مجالس أقضية منتخبة كسلطة لامركزية؟ وما رأيكم به؟
أؤيد طرح اللامركزية الإدارية، لأنني من خلال زياراتي إلى فرنسا تعرفت على فكرة ونظام هذا الطرح. فرنسا مقسمة إلى مناطق ورئيس المنطقة أهم من الوزير أو النائب. لا علاقة للامركزية الإدارية بالفدرالية، بل هي تعطي صلاحيات تساعد على إنجاز المشاريع الإنمائية لكل منطقة وهو ما يعزز العمل الإنمائي ويحفّز المواطن على الالتزام بالقوانين وبدفع الضريبة لأنه يتلمّس النتائج مباشرةً، غير أن المشكلة تكمن في كيفية تطبيق هذا الطرح.
إعداد: حياة الحريري