ما بعد رفع الدعم في لبنان: ضرورة وضع استراتيجية شاملة ومتكاملة للحماية الاجتماعية يواجه لبنان إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث، وصفها مرصد الاقتصاد اللبناني الأحدث الصادر عن البنك الدولي بأنها قد تكون واحدة من الأزمات الثلاثة الأشدّ حول العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. فقد فاقم تدهور قيمة العملة والتضخّم وتراجع الخدمات الاجتماعية إلى حدّ بعيد من المصاعب الاجتماعية-الاقتصادية. وتشير التقديرات إلى أنّ أكثر من ٥٠٪ من السكان يعيشون اليوم في الفقر، وسط مستويات عالية من العمالة الهشّة أو البطالة. ومن أجل حماية الأشخاص الذين يعيشون تحت وطأة هذه الظروف ولمساعدتهم، ينبغي اعتماد استراتيجيات حديثة وفعّالة ومبتكرة للحماية الاجتماعية. إلا أنّ نظام الحماية الاجتماعية القائم حاليًا غير متماسك، وهو بالتالي غير مستدام ويتطلّب إصلاحات ملحّة. حتى يومنا هذا، تعتمد استراتيجية الحماية الاجتماعية في لبنان على ركيزة أساسية تتمثل في برنامج مصرف لبنان لدعم السلع الاستهلاكية الأساسية، كالقمح والمواد الغذائية والأدوية والمحروقات، علمًا بأنّ أشكال الدعم هذه ستُرفَع تدريجيًا خلال الأشهر المقبلة نظرًا إلى استنزاف احتياطي العملات الأجنبية. كما ان استراتيجية الحماية الاجتماعية تلك لا تغطي المؤسسات الرسمية، كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولا تغطي سوى جزءًا من السكان، أو تُستخدَم كأداة للزبائنية، كما في حالة البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرًا. أما البرامج الأخرى فتشمل تحويلات نقدية لمرّة واحدة بالليرة اللبنانية، وجلّ ما تفعله هو تقديم مساعدة مرحلية، بدلًا من توفير حلّ مستدام. فضلًا عن ذلك، فإنّ آثار هذه البرامج على الاقتصاد الكلّي والتضخّم غير معروفة، وهي قد تضرّ ببقية السكان في نهاية المطاف بدلًا من أن تعود بالفائدة عليهم. في هذا الإطار، استضاف المركز اللبناني للدراسات، بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، فريقًا من الخبراء العام الماضي لمناقشة بدائل نظام الدعم القائم الذي يتولاه مصرف لبنان، كما وسُبُل تنفيذ هذه البدائل وتداعياتها المحتملة. وقد سلّط فريق الخبراء الضوء على خمسة مجالات أساسية: ١) هيكليات الدعم الحالية والمستفيدون الأساسيون منها؛ ٢) مقاربات رفع الدعم والدروس المستفادة من دول أخرى؛ ٣) أثر رفع الدعم على الصعيد الاجتماعي؛ ٤) الثغرات في المساعدة الاجتماعية والرؤية؛ ٥) مقاربات الحماية الاجتماعية الشاملة لذوي الإعاقات. وأُجري النقاش حول طاولة مستديرة وفقًا لقاعدة دار «تشاتام هاوس». وبناءً للنقاشات التي أجراها فريق الخبراء، ولمواكبة التدهور السريع الذي يشهده لبنان، تابع الباحث الأوّل في المركز اللبناني للدراسات فادي نيكولاس نصار النقاش مع كلّ من الخبراء المشاركين في مقابلة معمّقة حول المواضيع المحدّدة التي تناولها كلّ منهم خلال نقاش الطاولة المستديرة. المساهمون وليد الصايغ، خبير في مجال الاقتصاد والسياسات الاجتماعية في مكتب اليونيسيف في لبنان لارا فغالي، مستشارة في مجال السياسات العامة في Beyond Group ليا بو خاطر ورانيا إغناطيوس، مسؤولتان في وحدة الحماية الاجتماعية الفنية في المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية سيلفانا لقيس، القائمة بأعمال رئيس الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً ورئيسة المكتب الإقليمي العربي للمنظمة الدولية للاشخاص ذوي الإعاقة (DPI) |