March 27, 2020استعدادا لمواجهة كوفيد-١٩: تسطيح المنحنى ورفع السقف
مقابلة مع
الدكتورة فاطمة الصياح
باحثة في الصحة العامة، جامعة ألبرتا في كندا
1. في ظلّ تفشي فيروس كورونا في لبنان منذ 21 شباط 2020، ما هو وضع لبنان حتى اليوم مقارنةً بالدول الأخرى؟
ينبغي توخّي الحذر الشديد عند المقارنة بين الدول لأنّ هذا النوع من المقارنات يمكن أن يكون مضللاً. فهناك اختلافات بين الدول على صعيد عدد الإصابات نسبةً لعدد السكان، ومعدل ارتفاع الإصابات، والخصائص السكانية (مثلاً، نسبة المسنّين هي عامل مهمّ) وحالة السكان الصحية (كانتشار الأمراض المزمنة) وعدد الفحوصات نسبةً لعدد السكان. إنّ هذه العوامل مجتمعةً تؤثر على الأرقام المسجّلة في الدول المختلفة.
بحلول 24 مارس، سجّل لبنان 267 إصابات مؤكدة بفيروس كوفيد-19. من ناحية الأرقام، هناك 39 إصابة في لبنان لكلّ مليون نسمة، وهو رقم أدنى بكثير من الأرقام المسجلة في الدول التي تفشى فيها الفيروس في الفترة نفسها تقريباً (إيطاليا: 1057 إصابة لكلّ مليون نسمة؛ إسبانيا: 708 إصابات لكلّ مليون نسمة)، لكن أعلى من الأرقام المسجلة في دول أخرى في الشرق الأوسط (الأردن: 11 إصابة لكلّ مليون نسمة؛ المملكة العربية السعودية: 16 إصابة لكلّ مليون نسمة). أمّا من ناحية فحوصات الكشف عن الفيروس، فتشير التقارير إلى أنّ لبنان أجرى حوالي 6000 فحص حتى اليوم، أي ما يعادل حوالي 800 فحص لكلّ مليون نسمة، وهو رقم مقبول نسبياً مقارنةً بالدول الأخرى.
من المهمّ أيضاً النظر إلى معدل ارتفاع الإصابات مع الوقت. في هذا الإطار، يُستخدم وقت التضاعف (أي الوقت المستغرق إلى حين تضاعف الإصابات المؤكدة) كمؤشر على معدل ارتفاع الإصابات. ويبلغ وقت التضاعف في لبنان حالياً (بعد تأكيد الإصابة العاشرة) 4,2 يوم. لكنّ هذا الرقم التقديريّ يتغير يومياً، لذلك قد يكون من الأجدى النظر إلى المعدلات الأسبوعية. فعلى سبيل المثال، ارتفع وقت التضاعف من 4,6 أيام كمعدل عام بين 9 و16 آذار إلى 16,3 أيام بين 17 و23 آذار.
بناءً على ذلك، أعتقد أننا تمكّنا حتى هذه اللحظة من تأخير الزيادة المفاجئة في الإصابات، ما منحنا بعض الوقت للاستعداد بشكل أفضل لمواجهة الفيروس. وسيعتمد حجم هذه الزيادة على فعالية التدابير الاحتوائية خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
2. ما هي النقطة الحاسمة التي قد يخرج عندها الوضع عن السيطرة؟ أيّ شريحة سكانية هي الأكثر عرضة لمخاطر الفيروس؟
من الصعب تحديد نقطة تحوّل حاسمة، خصوصاً في لبنان الذي يفتقر إلى عملية شاملة ومنظّمة لجمع البيانات في الوقت المناسب بما يساهم في دعم صانعي القرارات والسياسات. في هذه المرحلة من تفشي الفيروس، قد يخرج الوضع عن السيطرة في حال توقف عدد كبير من الناس عن الالتزام بالتدابير الاحتوائية. وتشير التقارير إلى أنّ الأفراد الأصغر سناً الذين لا تظهر عليهم أعراض الفيروس مسؤولون عن أكثر من ثلث حالات انتقال العدوى، وبالتالي من الضروريّ التركيز على هذه الفئات في حملات التوعية.
وتُعتبر بعض الشرائح السكانية أكثر عرضة لمضاعفات الفيروس الخطرة، كالمسنّين والأفراد الذي يعانون أمراضاً مزمنة أو ضعفاً في جهاز المناعة. لكن ينبغي أن نولي الأفراد المعرّضين أكثر من غيرهم لخطر الإصابة الاهتمام أيضاً، ولا سيما مقدمو الرعاية الصحية وعمّال النقل والخدمات الغذائية.
3. في أيّ مرحلة سيتخطى النظام الصحي في لبنان طاقاته وقدراته؟
يعتمد هذا الأمر على وتيرة ارتفاع الإصابات خلال الأسابيع القليلة المقبلة. لقد أشارت وزارة الصحة العامة إلى توفّر حوالي 11800 سرير استشفائي و2300 سرير للعناية الفائقة في المستشفيات الحكومية والخاصة مجتمعةً، موضحةً أنّ معدّل الإشغال يبلغ حوالي 75%. وبحسب تقديرات الوزارة، ستظهر أعراض الفيروس لدى 600 ألف شخص من الأشخاص الذين سيصابون به في لبنان، وسيحتاج 90 ألف شخص من هؤلاء إلى الرعاية الصحية على الشكل الآتي: سيتمكن 72 ألف شخص (حالات طفيفة) من معالجة الفيروس عن طريق الحجر المنزلي فيما سيحتاج 18 ألف شخص إلى دخول المستشفى لتلقي العلاج و2700 شخص إلى العناية الفائقة. وقد بلغ وقت تضاعف الإصابات خلال الأسبوع الماضي في لبنان حوالي ستة أيام. وإذا استمر الوضع على هذا المنوال، سيرتفع عدد الإصابات من 267 إلى 534 إصابة في غضون ستة أيام، وإلى 1068 إصابة بعد ستة أيام أخرى، وإلى 2136 إصابة بعد ستة أيام إضافية، وهكذا دواليك. وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع عدد الإصابات بشكل ملحوظ بين الأسبوعين الأول والثاني من أيار، ما سيتسبب في تخطي عدد الأسرة الاستشفائية وأسرة العناية الفائقة المتوفرة في المستشفيات كافةً. وفي حال أثبتت التدابير الاحتوائية فعاليتها، من المفترض أن تتباطأ الزيادة في عدد الإصابات وأن تتباعد فترات الإصابة، ما سيؤدي إلى السيطرة على تفشي الفيروس من دون تخطي القدرة الاستيعابية لنظام الرعاية الصحية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه القدرة الاستعابية تشمل أيضاً مقدّمي الرعاية الصحية الذين يؤدون الدور الأكبر في هذه الأزمة. فمن دون الأطباء والممرضين والاختصاصيين الآخرين، لا يمكننا استخدام أيّ من مواردنا الأخرى.
4. ما التدابير الأخرى التي يتوجب على الحكومة اتخاذها لاحتواء تفشي الفيروس؟
تتماشى التدابير الاحتوائية المطبّقة في لبنان حتى هذا اليوم مع التوصيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وهي مشابهة للإجراءات التي اتخذتها الدول الأخرى. في هذه المرحلة، ينبغي أن تزيد الحكومة عدد الفحوصات الهادفة إلى الكشف عن الفيروس وأن تحرص على توفيرها مجاناً. ويجب ألا ننسى أنّ الإصابات المؤكدة ليست سوء جزء بسيط من الإصابات الفعلية. وبالتالي، لا بدّ من زيادة عدد الفحوصات للتمكن من تحديد الأفراد الذين لا تظهر لديهم أيّ أعراض والذين يمكنهم نقل العدوى إلى الآخرين. فكلّما زاد عدد الفحوصات، زادت قدرتنا على الاستجابة للأزمة بطريقة مناسبة من خلال تحديد حجم انتشار الفيروس، ما يسمح لنا باتخاذ القرارات الملائمة في كلّ مرحلة.
5. في ظلّ إجراءات العزل والإقفال المفروضة حتى 29 آذار 2020، ما الذي يتعين على الحكومة القيام به في المرحلة التالية؟ ما الذي تعتمد عليه؟
أولاً، استناداً إلى البيانات الأخيرة، ينبغي تمديد إجراءات العزل والإقفال أسبوعاً إضافياً. لكن يصعب تطبيق هذه الإجراءات بفعالية من دون دعم اجتماعي واقتصادي. فعدد كبير من السكان في لبنان يعيش تحت خط الفقر، وتؤدي الاضطرابات الاقتصادية التي نشهدها مؤخراً إلى تفاقم هذا الوضع. وفي هذا الإطار، تدرس الهيئات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية أشكالاً مختلفة من الدعم الاجتماعي والاقتصادي، لكن ما من خطوات ملموسة حتى الآن.
ثانياً، لاحظنا الأسبوع الفائت أنّ الحكومة تتجه إلى تنويع الجهود وإشراك البلديات والمجتمعيات المحلية بشكل أكبر. أعتقد أنّ هذه الخطوة مهمة جداً، لكن لا بدّ من التنسيق والدعم بشكل مكثّف.
ثالثاً، نسمع كثيراً في الآونة الأخيرة عن "تسطيح منحنى" الفيروس، لكن علينا أن نفكر أيضاً في "رفع السقف"، أي زيادة قدرة نظام الرعاية الصحية في لبنان. لقد عمدت مستشفيات كثيرة إلى إلغاء مواعيد الجراحات والعمليات غير الطارئة وغير الضرورية من أجل زيادة عدد الأسرة المتوفرة لديها، وتحاول الحكومة شراء معدات إضافية، بما في ذلك أجهزة التنفس الصناعي والملابس الوقائية. وينبغي أيضاً بذل مزيد من الجهود لتدريب مقدمي الرعاية الصحية وتوفير الدعم الضروريّ لهم لكي يصبحوا جاهزين لمواجهة هذا الوباء.
وأخيراً، تواجه الحكومة اللبنانية تحدياً كبيراً يتمثّل بغياب الثقة لدى المواطنين نتيجة الحكم الفاسد المستمرّ منذ عقود عدة وليس في عهد الحكومة الحالية فحسب. في هذا الوقت بالذات، يجب أن يكون كلّ مواطن مسؤولاً تجاه نفسه وتجاه الآخرين. فمن دون تعاون المجتمع بمختلف شرائحه، سيكون من الصعب جداً على أيّ حكومة احتواء الوباء والتعامل معه بفعالية. وتُعتبر الشفافية مهمّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، بالإضافة إلى إعداد تقارير شاملة عن تطور تفشي الفيروس، واتخاذ القرارات المبنية على الأدلة ومدخلات الخبراء، وإشراك الناس في الجهود الهادفة إلى احتواء الفيروس بدلاً من فرض التدابير عليهم.