March 02, 2020هل ينبغي أن يمتنع لبنان عن تسديد ديونه؟التخلف عن التسديد: قرار لا يحتمل التأجيل
دان قزي، كاتب مقالات رأي ومُحاضر في علم الاقتصاد والسياسات النقدية والإصلاحات السياسية
تبلغ قيمة الدين العامّ في لبنان 87 مليار دولار يضاف إليها 112 مليار دولار من ودائع المصارف التجاريّة في مصرف لبنان. وإذا عدّلنا هذه الأرقام وألغينا الاحتساب المزدوج، تصبح قيمة الدين العامّ الإجمالية حوالي 165 مليار دولار. ويبلغ الدين الخارجيّ ما بين 5 مليارات و12 مليار دولار بالقيمة الإسميّة، لا بل أدنى من ذلك بأسعار السوق، ما يعني أنّ الدين الخارجيّ يشكّل حوالي 5% من مجموع الدين العامّ. وبالتالي، يمكن القول إنّ مشكلتنا داخليّة في الدرجة الأولى – أي حلقة دَين داخلية بين الجهات المحلية - ويمكن معالجتها بشطبة قلم من سلطة تتمتع بالقوة والكفاءة.
إذا استخدم لبنان احتياطيّ المصرف المركزيّ البالغة قيمته 30 مليار دولار، يصبح قادراً على تسديد كامل ديونه الخارجيّة لمؤسسة "يوروكلير" (ما يسمح له بالوفاء بالتزاماته القانونية)، وعلى إقناع حاملي السندات المحليين بإعادة المدفوعات المقوّمة بالدولار من باب الحسّ الوطنيّ أو، إن لم ينجح ذلك، باستخدام الأدوات التنظيمية المتاحة. وتشمل هذه الأدوات تدقيقاً من قبل لجنة المراقبة على المصارف يتطلب إعادة احتساب قيمة دفاتر حاملي السندات بحسب سعر السوق الحالي، وزيادة السيولة من 20% إلى 2000%، وفرض الضرائب، وإلزام حاملي السندات بشراء الأسهم... وهلمّ جرّاً.
إنّ الجانب الإيجابيّ لتسديد سندات اليوروبوند هو أنّ لبنان سيعاود عاجلاً أم آجلاً الدخول إلى الأسواق العالمية لإعادة بناء الثقة بعد هذه الأزمة. والأمر الوحيد الذي يصبّ في مصلحته هنا هو أنّه لم يتخلّف يوماً عن تسديد ديونه منذ العام 1943. وفي هذا الإطار، لا تجوز المقارنة، كما يفعل البعض خطأً، بين لبنان من جهة والأرجنتين وأوكرانيا من جهة أخرى. فالأرجنتين مثلاً مُنعت من دخول أسواق رأس المال لسنوات عدّة. كذلك، ليس في الأرجنتين ولا أوكرانيا مجموعة مسلّحة لديها سياسة خارجيّة مختلفة عن سياسة الحكومة المركزيّة وتواجه عقوبات من الدولة الأقوى في العالم وهي تستخدم عملة هذه الدولة بالذات... فهذه النقطة لا تصبّ في مصلحة لبنان.
في المقابل، سيتمكّن لبنان، بفضل سجّله النظيف وبعض الخطوات الإصلاحية الموثوقة من الدخول مجدداً إلى الأسواق المالية وإعادة تمويل ديونه بعد العام 2020 بما يسمح له بتحقيق الأهداف المتوخاة من عملية إعادة هيكلة الدين العامّ من دون أن يشوه سجلّه.
أمّا الجانب السلبيّ للتخلّف عن التسديد فهو أنّ لبنان ليس في موقع قوّة لأنّ ممثّليه القانونيين عجزوا عن إدراج بند في الوثائق القانونية يجيز لأكثرية حاملي السندات الموافقة على إعادة الهيكلة على الرغم من معارضة البعض منهم، الأمر الذي أضعف موقف لبنان التفاوضيّ. فهؤلاء الدائنون بارعون في لوي ذراع خصومهم الضعفاء الذين يفتقرون إلى الخبرة مثلنا، والمستثمرون الحديثون لم يعثروا علينا بالصدفة عن طريق الانخفاض غير المتوقّع في تصنيفنا الائتماني، بل هذا النوع من السيناريوهات هو خبزهم اليوميّ. لقد اختارونا عن قصد لكي يحاولوا الحصول منّا على أكبر قدر من التنازلات، ومن المرجّح أن يطلبوا إصدار أمر بالحجز على احتياطيّ الذهب لدينا – الموضوع في نيويورك على مسافة قريبة من مكان القاضي الذي يدرس الملفّ – وعلى طائراتنا التابعة لطيران الشرق الأوسط وحتّى على ودائعنا واحتياطياتنا في المصارف الوديعة، أيضاً في نيويورك، وذلك بسبب اقتصادنا المُدولَر.
في الواقع، حصلت في السابق حالات تمّ فيها تجميد أموال المصرف المركزيّ إلى حين تسوية القضايا القانونية. ومع أنّ فرص نجاح المستثمرين ضعيفة، إلا أنّهم يعمدون إلى شنّ هجمات علينا لإضعافنا واستنزاف قوّتنا وإرغامنا بالتالي على الموافقة على تسوية غير مؤاتية لنا.
وتشير الإحصاءات إلى أنّ هذا النوع من الحالات يقترن عادةً بنتائج سلبية إذ إنّ 50% من حالات التعثّر تنتهي بمنازعات قضائية باهظة الثمن. وقد يكون الحلّ الأفضل لهذه المشكلة إدّخار مبلغ هزيل من 200 إلى 400 مليون دولار هذه السنة من أصل الـ 783 مليون دولار المستحقّة للأجانب في العام 2020، بعد تكبّد نفقات قانونية هائلة.
مهما كان القرار النهائيّ، لا بدّ من أن تكون للبنان خطة واضحة. فإذا قرّر التخلف عن تسديد ديونه، عليه أن يتخلّف الآن. وإذا قرّر العكس، عليه أن ينفّذ خطة لعدم التخلّف. فتسديد الديون في آذار/مارس والتخلّف عن تسديدها في نيسان/أبريل أو حزيران/يوليو هو قرار متهوّر.