March 02, 2020هل ينبغي أن يمتنع لبنان عن تسديد ديونه؟إعادة هيكلة الدين خطوة حتميّة لا تحتمل المماطلة
عامر بساط، المدير الإداري ورئيس الاستثمارات في الأسواق السيادية والناشئة (ألفا) في شركة لإدارة الأصول في نيويورك
يسلك الدين العامّ في لبنان مساراً غير مستدام إذ إنّه يعادل 150% من الناتج المحليّ الإجماليّ. وإذا افترضنا أنّ سعر الفائدة على الدين العامّ هو 7%، تبلغ قيمة الفوائد المتوجّب سدادها سنوياً 10% من الناتج المحليّ الإجماليّ. وإذا افترضنا أيضاً أنّ متوسّط أجل استحقاق الدين العامّ هو 10 سنوات، فهذا يعني أنّ سداد أصل الدين سيستنزف 15% إضافية من الناتج المحليّ الإجماليّ سنوياً. وبالتالي، في حال عدم هيكلة الدين، سيتمّ استخدام وحدة من كلّ أربع وحدات من الدخل اللبنانيّ من أجل خدمة الدين. وبحسب توقّعات صندوق النقد الدوليّ، تبلغ الإيرادات الحكوميّة ما بين 21 و23% من الناتج المحليّ الإجماليّ، ما يعني أنّ كلفة خدمة الدين ستستنزف كامل الإيرادات الحكوميّة ولن يتبقّى شيء للخدمات العامّة الأخرى. لهذه الأسباب كلّها، لا مفرّ من إعادة هيكلة الدين.
لماذا الانتظار إذاً؟ إنّ استخدام الاحتياطيّ القيّم لسداد سندات اليوروبوند المستحّقة في شهر آذار هو هدر للأموال بلا جدوى بما أنّ إعادة هيكلة الدين العامّ هو خطوة لا مفرّ منها.
ومن الأسباب الأخرى التي تبرّر تأجيل تسديد الديون المستحقّة احتفاظ المصارف التجاريّة بأكثر من 100 مليار دولار من ودائع الناس في مصرف لبنان، بحسب بيانات القطاع المصرفيّ. فهذه الودائع مدعومة جزئياً باحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبيّة، وبالتالي فإنّ استخدام هذا الاحتياطيّ لخدمة الدين سيؤثّر سلباً على أمن الودائع. وإذا عجزت المصارف عن سحب ودائعها من مصرف لبنان، سيكون من الأصعب عليها دفع الودائع الموضوعة لديها. وبالتالي، ستزيد خدمة الدين في هذه الظروف من احتمال الاقتطاع من الودائع.
هل تشوّه إعادة هيكلية الدين العامّ سمعة لبنان؟ الجواب غير واضح. تشير الاستبيانات التي أجريت حول أزمات الديون السياديّة (بما في ذلك من قبل صندوق النقد الدوليّ) إلى أنّ 111 دولة لجأت إلى إعادة الهيكلة في السنوات الثلاثين الماضية وأنّ أغلبيّة تلك الدول تمكّنت في نهاية المطاف من معاودة الدخول إلى أسواق رأس المال. في الواقع، سيصبح المستثمرون مستعدّين لإقراض لبنان ما إن ينجح في خفض رصيده من الديون وإذا – وهذه نقطة مهمة – استطاع أن يسلك مساراً اقتصاديّاً يعِدُ بتسديد الديون في المستقبل.
وللتوضيح، لا يعني ذلك أنّ إعادة هيكلة الدين العامّ هي خطوة غير مؤلمة. أوّلاً، إنّ الاعتراف الرسميّ بالتعثّر هو اعتراف فعليّ بإفلاس القطاع المصرفيّ المثقل بالديون المستحقّة للقطاع العامّ بما في ذلك مصرف لبنان. قد يعتبر البعض أنّ ذلك هو مجرّد اعتراف بواقع اقتصاديّ، لكنّ الحقيقة هي أنّه يجرّد لبنان من "الرفاهية" التي كانت يتمتّع بها سابقاً والتي تسمح له بتأجيل إعادة رسملة المصارف التي تُعتبر خطوة ضرورية له. وثانياً، لن تخلو عمليّة إعادة الهيكلة من المشاكل القانونية نظراً إلى طريقة صياغة عقود السندات. فإعادة الهيكلة ستقاس من دون شكّ بالسنين وستواجه على الأرجح عقبات بسبب الدعاوى القضائيّة التي يرفعها الدائنون. وبما أنّ إعادة الهيكلة خطوة لا مفرّ منها، فمن الأفضل أن نبدأ بهذه الخطوة في أقرب وقت ممكن وأن نكون مستعدّين جيداً لها.
ويعارض البعض إعادة هيكلة الدين العامّ، معتبرين أنّه من الأفضل تأجيل الالتزامات خلال السنوات القليلة المقبلة بدلاً من إجراء إعادة هيكلة شاملة بما يسمح للبنان بالانتظار ريثما يتحسّن الوضع على المدى المتوسّط من خلال التنقيب عن النفط والغاز و/أو تحقيق السلام الإقليميّ. لكنّني لا أنصح باتباع هذا النهج لأنّه يبقي الاقتصاد في حالة من الجمود في انتظار مستقبل غير مؤكّد. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ تغيير شروط الدفع، من أجل إتاحة التدفقات النقدية، هو تعثّر تقنيّ، ولا يُعتبر بالتالي حلاً فعلياً.
كذلك، إنّ التعثّر الانتقائيّ – أيّ تسديد سندات اليوروبوند لكن التخلف عن تسديد الدين المقوّم بالليرة اللبنانيّة – ليس خياراً مجدياً. فإذا كان الهدف من هذا التعثر خفض رصيد الدين إلى مستوى مستدام، سيؤدي التعامل مع جزء من الديون على أنّها ديون "ممتازة" إلى آثار سلبية على الديون "الثانوية". بتعبير آخر، سيؤدي استثناء الدين الخارجيّ من التعثّر إلى فرض أعباء على الدين المقوّم بالليرة اللبنانيّة، وهذا بالطبع اقتراح ضعيف جداً من الناحيتين السياسية والأخلاقية.